هل تصحح وزارة الصحة سياستها الخاطئة؟
الأرقام التي أوردتها وزيرة الصحة أمام البرلمان عن نسبة العاملين بالقطاع الصحي مهمة للغاية؛ لأنها تنسف كل الحجج والتبريرات التي كانت تسوّقها العلاقات العامة لسنوات طويلة، في ردودها على الكتاب والصحافيين.
الوزيرة، ولأول مرةٍ، تتكلم بلغة الأرقام، بما يوضح الخلل والخطأ الذي كنا نتكلم عنه منذ سنوات في سياسة التوظيف، حيث تصر الوزارة على استقدام الأجانب للعمل، بينما تضع العراقيل أمام توظيف الخريجين البحرينيين المؤهلين، أطباء وممرضين. وكانت الوزارة توافي الصحف بالردّ الذي حفظه القرّاء عن ظهر قلب لكثرة تكراره: «الأولوية لتوظيف البحرينيين، فإذا لم يوجد بحريني لجأنا لتوظيف الأجنبي، ويتم ذلك بالتنسيق مع ديوان الخدمة المدنية». وهو كلامٌ مجافٍ للواقع تماماً، ولا يبيعه الرأي العام ولا يشتريه.
لنتكلم بلغة الأرقام، وتحديداً تلك التي أوردتها الوزيرة، فهناك 1415 طبيباً أجنبياً يعملون بالقطاع العام، (1358 طبيباً بشرياً، و57 طبيب أسنان)، وهو ما يطرح السؤال مجدداً: لماذا لا يتم توظيف الأطباء البحرينيين الخريجين؟ ولماذا الإصرار على استقدام الأجنبي وتوظيفه بينما لدينا خريجون بحرينيون عاطلون لسنوات؟ وإذا كانت هناك حجج واهية بشأن بقية الأطباء، فلماذا لا يتم توظيف أطباء الأسنان العاطلين وعددهم يزيد على الرقم المذكور بكثير؟
ثم لنأتِ إلى مجال الصيدلة، حيث يعمل فيه 1346 شخصاً، من بينهم 1120 بالقطاع الخاص، و226 أجنبياً بالقطاع العام، فلماذا لا يتم استيعاب العاطلين البحرينيين في هذا التخصص في القطاع الحكومي؟
أما القضية الأكثر وضوحاً وانكشافاً فهي مجال التمريض، حيث لا تحتمل التأويل. فمجموع العاملين في مجال التمريض 10461، من بينهم 6120 بالقطاع العام، وبات واضحاً ازدياد أعداد الأجانب في هذا المجال في المستشفيات الحكومية، في وقت كانت البحرين مؤهلةً قبل عقدين لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال التمريض، إلا أننا بفضل هذه السياسات، نبتعد أكثر وأكثر عن تحقيق هذا الهدف الوطني. وهي سياسات ضارة، تؤدي إلى خسارة البلد، اقتصادياً وتنموياً وبشرياً؛ وضارة بالشعب؛ وضارة بالشباب من الخريجين المتأهلين في هذه القطاعات العلمية التخصصية، الذين يجدون أنفسهم بعد سنوات من الجد والاجتهاد، عاطلين من العمل قسراً، وهم من خيرة الكفاءات والطاقات البشرية التي تحرص عليهم مختلف الدول، بينما يلاقون الصدود والنكران في بلدهم البحرين.
إنه هدر كبير للموارد البشرية الثمينة، وتفريط بالطاقات العلمية الشبابية، لصالح استقدام كوادر من بلدان وجنسيات أخرى تحل محل الوطنيين، وبأعداد كبيرة. فهل البحرين بحاجةٍ فعلاً لهذه الأعداد في مثل هذه التخصصات؟ ولماذا تحمّلون الموازنة العامة كلفتها المضاعفة؟ وخصوصاً أن البلد يمر في مرحلة التقشف والترشيد، وقد بدأت الوزارة نفسها بتقنين صرف الأدوية وخفض النفقات وغيرها من الإجراءات.
في فبراير/ شباط الماضي، نشرت «الوسط» إحصائية قام بها ممرضون عاطلون، كشفت أن 30 في المئة من الخريجين فقط يعملون كممرضين، بينما 56 في المئة منهم عاطلون من العمل، بينما انتقل آخرون للعمل بالقطاع الخاص، أما خريجو الطب فيشكون من المماطلة وعدم التوظيف.
إنه بفضل هذه السياسات غير الصحيحة، أصبحت وزارة الصحة بيئة طاردة للكفاءات، فخرج منها الكثير من الاستشاريين والأطباء ذوي الخبرة، حتى بدا النقص واضحاً في بعض الأقسام. وهو أمرٌ لا يمكن للوزارة أن تنكره أو تغطيه.
لقد قدّمت الوزيرة أرقاماً مهمة كشفت عن واقع الحال، ولكنها اعتذرت عن عدم كشف أعداد البحرينيين الحاصلين على رخص مهنة الطب والتمريض والتخصّصات الطبيّة الأخرى الذين لديهم طلبات توظيف لدى الوزارة، وهو ما نتمنى أن تكشفه الوزيرة في المرة القادمة.