وزارة الصحة... الاعتراف أخيراً بالذنب
وأخيراً أقرّت وزارة الصحة بما كنّا نطرحه من أخطاء فظيعة ومؤاخذات جسيمة على سياساتها الخاطئة التي انتهجتها منذ سنوات.
الاعتراف جاء على لسان وزيرة الصحة فائقة الصالح، التي كشفت للمرة الأولى، أن هناك 19682 أجنبياً يعملون في 5 مهن صحيّة في البحرين، وهي الطب البشري، وطبّ الأسنان، والتمريض، والصيدلة، والمهن المعاونة. وأشارت إلى أن عدد الأطباء الأجانب في القطاع الحكومي بلغ 1358 طبيباً بشرياً، و57 طبيباً للأسنان (المجموع 1415 طبيباً)، فيما بلغ عدد العاملين في قطاع التمريض 6120 ممرضاً وممرضة. علماً بأن القطاع الحكومي يشمل وزارة الصحة، مستشفى الملك حمد الجامعي، الخدمات الطبّية الملكية، وقوّة دفاع البحرين، وإدارة الشئون الصحيّة والاجتماعية، ووزارة الداخلية.
لعل القارئ يتذكّر حفلة العشاء التي أقامتها الوزارة للصحافيين والإعلاميين في مساء أحد أيام نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، واستمرت نحو ساعتين بأحد فنادق العاصمة، وتم خلالها استعراض الإنجازات والمديح المتبادل، لكن حين طرحنا سؤالاً يتيماً في تلك الأمسية، عن سبب الإصرار على سياسة استقدام وتوظيف الأجانب واستبعاد الخريجين البحرينيين المؤهلين، تكهرب الجو واكفهرت الوجوه غضباً، فلماذا تسأل مثل هذا السؤال في هذه الحفلة الجميلة المليئة بالمجاملات؟
اعتراف الوزيرة الصالح بما يثبت هذه السياسة وبالأرقام، يرقى إلى مستوى الفضيحة، فقد التزمت الوزارة منذ سنوات بالدفاع المستميت عن الخطأ وتبريره، ومحاولة التغطية والتستر عليه بتلفيق حججٍ واهيةٍ للتهرّب من الحقيقة المرّة التي يعرفها الجميع، وهي «أجنبة» القطاع الصحي.
ليلتها وأنا خارجٌ من الفندق قبل انتهاء الحفلة، هاتفت عدداً من الأطباء والطبيبات، للتأكد منهم بالأرقام، فقال أحدهم: يمكنني أن أعطيك الآن عشرات الأسماء لأطباء وطبيبات وممرضات خريجات ينتظرن فرصة التوظف منذ سنوات. وحين نقلت لمحدثيّ ردود طاقم الوزارة قالوا: هذا كلام غير صحيح... إنه مجرد كلام!
الوزيرة اليوم، وبعد سنواتٍ من اللف والدوران والتستّر على الحقيقة، تعترف بواقع التوظيف في هذه الوزارة العتيدة، بما يؤكّد ويثبت صحة كلامنا وانتقاداتنا. وهي سياسةٌ لا تلتقي مع المصلحة الوطنية على الإطلاق، فليس هناك بلدٌ لديه فائضٌ من الخريجين في مجالي الطب والتمريض، يتركهم نهباً للبطالة ويستورد مكانهم الأجانب ليأخذوا فرصتهم في العمل.
إنها سياسةٌ خاطئةٌ حتى من الناحية الاقتصادية البحتة، وكثيراً ما ذكّرْنا من يملكون القرار بوزارة الصحة بأن الكادر البحريني تدفع له راتبه الشهري فحسب، من دون التزامات أخرى، بينما في حالة استقدام الأجنبي فإنك تحمّل موازنة الدولة تكاليف السكن والتأمين الصحي وعلاوات الغربة وخلافه، فضلاً عن تأمين الخدمات الصحية لعائلته، والتعليمية لأبنائه، إلى جانب تذاكر السفر إلى وطنه سنوياً. والمعادلة على رغم وضوحها التام، إلا أنه لا أحد يكترث بإيقاف أو حتى مراجعة هذه التجاوزات، بما فيهم ديوان الخدمة المدنية، والذي يكون شريكاً في بعض الأحيان في استمرارها، عبر تمريره وموافقته على استقدام الأجانب وعدم توظيف البحرينيين.
لسنواتٍ طويلة، كانت وزارة الصحة، تغطّي على هذه السياسات الخاطئة، التي لن تجد لها مبرراً قانونياً ولا اقتصادياً ولا وطنياً على الإطلاق. وحين تنتقدها وتطالب بإلغاء هذه السياسات تكفهر الوجوه وتمتقع الألوان. فأعيدوا النظر في هذه السياسات غير المنطقية وأصلحوها رحمةً بهذا الوطن وأهله.