الفضائيات والإذاعات العربية والإسلامية... كيف تستقبل شهر الرحمة والغفران؟
كل الدول العربية والإسلامية، سواء كانت القريبة من بلدنا البحرين، جغرافياً وتاريخياً ومصيرياً أو البعيدة عنه، تعلم علماً يقينياً أن شعب البحرين بكل تلاوينه الطائفية والمذهبية والاجتماعية والسياسية، يحترم شهر رمضان المبارك ويقدره تقديراً يفوق كل التوقعات، ويعمل جاهداً في استقباله الاستقبال الذي يليق بمكانته وقدسيته، فيكثر من يقيمون بمدنها وقرآها مجالس القرآن الكريم والدعاء والمناجاة حتى السحر، وفي أول يوم في الشهر الكريم يذكرون أنفسهم بالخطبة الشريفة التي ألقاها رسول الله (ص) على مسامع الصحابة الأجلاء، وكأنهم معهم (رض) وهم ينصتون بكل جوارحهم وجوانحهم إلى كلام رسول الله (ص) وهو يقول: أيها الناس، إنه قد أقبل اليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل الكرامة، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب، فاسألوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه، فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم، واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه، وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقروا كباركم وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم واحفظوا ألسنتكم، وغضوا عما لا يحل النظر إليه أبصاركم، وعما لا يحل الاستماع إليه أسماعكم، وتحننوا على أيتام الناس حتى يتحنن على أيتامكم، وتوبوا إلى الله من ذنوبكم، فارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلاتكم فإنها أفضل الساعات ينظر الله عز وجل فيها بالرحمة إلى عباده، يجيبهم إذا ناجوه، ويلبيهم إذا نادوه ويعطيهم إذا سألوه، ويستجيب لهم إذا دعوه... يا أيها الناس إن أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكوها باستغفاركم، وظهوركم ثقيلة من أوزاركم فخففوا عنها بطول سجودكم، واعلموا أن الله تعالى ذكره أقسم بعزته ألا يعذب المصلين والساجدين، وألا يروعهم بالنار يوم يقوم الناس لرب العالمين.
أيها الناس من فطّر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر، كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لما مضى من ذنوبه، فقيل يا رسول الله وليس كلنا قادراً على ذلك، فقال صلى الله عليه وآله: اتقوا الله ولو بشق تمرة، اتقوا الله ولو بشربة ماء. أيها الناس من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الأقدام، ومن خفف في هذا الشهر عما ملكت يمينه خفف الله عنه حسابه، ومن كف فيه شره كف عنه غضبه يوم يلقاه، ومن أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه، ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه، ومن تطوّع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النار، ومن أدّى فيه فرضاً كان له ثواب من أدّى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور، ومن أكثر فيه من الصلاة عليّ ثقل الله ثقّل الله ميزانه يوم يخفف الموازين، ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور.
أيها الناس، إن أبواب الجنان في هذا الشهر مفتّحة، فاسألوا ربكم ألا يغلقها عليكم، والشياطين مغلولة فاسألوا ربكم ألا يسلطها عليكم، وكأنهم يسمعون أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وهو يسأل رسول الله (ص): يا رسول الله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟
ويسمعون كذلك جواب رسول الله (ص) لعلي (ع) وهو يقول له: يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله، والقلة القليلة جداً في بلدنا الحبيب لا يعملون بأفضل الأعمال وهو الورع عن كل شيء يشين الإنسان المسلم، فلهذا نجدهم يعبثون بأوقات شهر الله، إما بجهل أو تعمد أو غفلة، على رغم أنهم يعلمون علم اليقين أن عبثهم بأوقاته المحترمة هو إيذاء لشهر رمضان المبارك، والمصيبة الكبرى إذا ما قالوا إن قضاء وهدر أوقاتهم في السهر العبثي في أماكن اللهو واللعب حتى قرب طلوع الفجر، إنهم يحيون الشهر الكريم.
والغريب أن هذه الفئة من الناس الذين يقدمون الإهانات الكبيرة لأقدس شهر في الإسلام، يحظون باهتمام كبير من الفضائيات والإذاعات قد يفوق كل توقعاتهم، والنسبة الكبرى من أبناء البلد الذين يحيون الشهر العظيم بالقرآن والدعاء والابتهال إلى الله تعالى، ومساعدة الفقراء والمعوزين ورعايتهم وتلبية طلباتهم وتوفير الإفطار لهم، وعمل البرامج الثقافية المفيدة في مناطقهم للصغار والكبار، ومناقشة وتحليل القضايا العربية والإسلامية، تحقيقا لقول لرسول الله (ص): «من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم»، هؤلاء على رغم أنهم الكثرة في مجتمعنا البحريني، إلا أنهم لم يجدوا إلا الصدود وعدم الاكتراث بأعمالهم الخيّرة والمفيدة التي يقومون بها طوال الشهر.
وتحاول الفضائيات بجل برامجها التي تخالف بنسبة كبيرة كل التعاليم والإرشادات والتوجيهات التي قال الرسول الأكرم (ص) في خطبته الشريفة، التي ذكرناها آنفاً، أن تعطي صورة مزيفة ومغايرة تماماً عن أخلاق وسلوكيات المسلمين في شهر رمضان المبارك، فهذا السلوك الفضائي والأرضي والإذاعي غير المقبول جملة وتفصيلاً، لأنه جعل شهر رمضان المبارك محطة للابتذال الفاضح، بالأفلام الهابطة والمسلسلات الساقطة والمسابقات، التي يكثر فيها التهريج والاستخفاف بقدسية الشهر المعظم وبعقول الناس، نأمل من الفضائيات والمحطات التلفزيونية الأرضية والإذاعات العربية والإسلامية وجميع الوسائل الإعلامية، أن تقرأ خطبة رسول الله (ص) جيداً وبتمعن واعٍ، ثم تستعرض برامجها التلفزيونية والإذاعية على وجه الخصوص عليها، وتسأل نفسها، هل ما تقدمه من برامج يتناسب ولو بنسبة واحد في المئة مع مكانة وقدسية الشهر الكريم أم لا؟ كان بإمكانها إعداد برامج مفيدة ومتنوعة، روحية وثقافية وفكرية واجتماعية، وإنتاج الأفلام والمسلسلات والمسابقات الهادفة، والتي تليق بالشهر الذي كرمه الله وجعله أفضل الشهور، في الأعمال والثواب الجزيل.