ماذا تريد الجمعيات الخيرية التطوعية من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية؟
في السنوات العشر الأخيرة لم تكن الإجراءات والقرارات والممارسات الخاصة بالعمل الخيري في مجملها مشجعةً للقائمين والمتطوعين في الصناديق الخيرية سابقاً، ولا في الجمعيات الخيرية حالياً، على رغم كل الخدمات الكبيرة والجليلة التي يقدّمونها لشريحة كبيرة من المجتمع البحريني، ألا وهي الأسر الفقيرة، والتي لا يرجون من ورائها إلا رضا الله تعالى وراحة الضمير. لم يخالفوا يوماً القانون في حساباتهم وأعمالهم ومساعداتهم، فكل حساباتهم مدققة وفق القانون، وكل نشاطاتهم وفعالياتهم واضحة للعيان، وكل أوراقهم ومستنداتهم الثبوتية رسمية مئة في المئة، وكل التبرعات التي يتسلمونها مصادرها معروفة لدى الجهات المعنية في البلاد، ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية على علم كامل بكل صغيرة وكبيرة في الجمعيات الخيرية، ولا يمكنها أن تقول إنها لا تعلم ولا تدري دراية وافية بمصادر أموالها ومصروفاتها المالية والعينية.
وإذا كانت الوزارة لديها كل هذه المعلومات الدقيقة عن عمل الجمعيات الخيرية، فلماذا لا تعمل على دعمها مادياً ومعنوياً، لكي تستمر في عطاءاتها الخيّرة للبحرين وشعبها، من دون أن تشعر بالغبن والضيق وسوء الظن بعملها؟
في الكثير من دول العالم نجدها تحترم وتقدّر مؤسسات المجتمع المدني التطوعية، وتعمل على تقويتها بكل الوسائل والطرق، وتبذل الجهود الكبيرة في تنميتها مالياً واجتماعياً، وتسخّر لها كل السبل التي تساعدها على الاستمرار في عطاءاتها الخيّرة، وتذلل لها الصعوبات التي تعيقها، لأنها تعرف القيمة الإنسانية والإقتصادية الحقيقية للأعمال الخيرية والإنسانية والاجتماعية التطوعية، التي قد يصعب عليها القيام بها على أكمل وجه، وفوق هذا وذاك أنها توفر على دولها الكثير من الجهود والأموال الكبيرة.
ولا أحد في بلدنا البحرين ينكر حجم الأعمال الخيرية الكبيرة، التي تقدّمها جمعيات البلد الخيرية والإنسانية بلا استثناء، وتعلم أن أكثر من 100 جمعية خيرية وإنسانية تطوعية تعمل في كل محافظات البلد، دون ملل أو كلل منذ أكثر من 25 عاماً، على رغم ما تعانيه من الإجراءات المفروضة عليها في جمع الأموال، والقرارات المتشددة في هذا الشأن التي تقلل من إيراداتها المالية أولاً، وتضعف قدرتها على مساعدة الأسر الفقيرة ثانياً، وتقوّض نشاطاتها الخيرية التي تطمح للقيام بها ثالثاً .
والسؤال الذي يطرحه القائمون والعاملون في الجمعيات الخيرية، وكذلك عموم أبناء المجتمع: لماذا تفرض وزارة العمل كل تلك الإجراءات الشديدة عليها مادامت إجراءات تأسيسها قانونية، ووجودها وعملها يجري وفق القانون؟ ولماذا يطلب منها في كل مرة تريد تنفيذ مشروع خيري أو اجتماعي معين، التقدّم بطلب ترخيص لجمع الأموال له؟ أليس الترخيص بتأسيس الجمعيات الخيرية كافياً لتكون كل أعمالها مرخصة رسمياً، بما فيها جمع الأموال؟
ما أردنا قوله في هذا المجال المهم، إن العمل الخيري التطوعي في البلاد أحواله ليست على ما يرام ولا تبشّر بخير، فجل الجمعيات التي تستعد لاستقبال شهر رمضان المبارك، تخشى كثيراً من التداعيات المالية المحتملة، التي قد تحدث لها في المستقبل القريب، والتي إن حدثت لا قدّر الله ستجعلها عاجزةً عن تقديم المساعدات المناسبة للأسر الفقيرة المسجّلة لديها وتلبية احتياجاتها العينية في الشهر الكريم وفي بقية الشهور.
من المؤكد أن هذا الاحتمال المُر لا أحد في البلاد يتمنى حدوثه، لأن مخاطره وانعكاساته السلبية ستؤثر بقوة على أحوال وأوضاع عشرات الألوف من أبناء الأسر البحرينية الفقيرة، في مختلف الجوانب، المالية والاجتماعية والمعيشية والسلوكية والصحية والتعليمية. ولا شك أن هذه الانعكاسات غير المحمودة ستؤثر أيضاً سلباً على اقتصاد البلد، فلو سألنا إدارات الجمعيات الخيرية ماذا تريدون من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بكل صراحة ومن دون مجاملات؟ ستجدهم يقولون بكل وضوح: نريد من الوزارة أن تقوّي علاقاتها بالجمعيات الخيرية، وأن تضع ضمن برنامجها تنظيم لقاءات دورية مع الجمعيات الخيرية، والاستماع إلى وجهات نظر القائمين عليها في مختلف القضايا والمشكلات المتعلقة بالعمل الخيري التطوعي، ويكون لهم حق المشاركة في سن القوانين الخاصة بالأعمال الخيرية؛ لكي لا يطفح الكيل وينفد صبرها، كما قال الناشط الاجتماعي حسين مدن، الذي عبّر عن أحوال وشجون ومشكلات ومعوقات ومنغصات ومثبطات ومحبطات العمل الخيري بكل صدقية وأمانة وموضوعية .
إن كل تخوفات وتوجسات الجمعيات الخيرية نابعة من حرصها الشديد على تطوير وتنمية العمل الخيري في البلد، والعاملون فيها يأملون أن تتفهم الوزارة ما يقدّمونه من خدمات متنوعة للمجتمع، وللأسر البحرينية الفقيرة، فغالبيتهم يتمنّون للعمل الخيري التطوعي النماء والتطور في كل جوانبه، فلهذا هم يتألمون كثيراً إذا ما رأوا العمل الذي يبذلون من أجله الجهود الكبيرة يتعرّض إلى بعض النكاسات والتراجعات بسبب بعض الإجراءات والقرارات والممارسات القاسية وغير الموضوعية.
ولا ريب أن الجمعيات الخيرية التي بح صوتها وهي تعلن في كل المحافل والمناسبات، أنها بحاجة لدعم ومساندة، وليس إلى إجراءات معقدة تعسّر عملها، وتعبّر عن دهشتها كثيراً من تغييب المجلس النيابي نفسه عن مناقشة المشكلات التي يئن منها العمل الخيري في البحرين، وكأن هذا الأمر المهم لا يعنيه من قريب ولا من بعيد، على رغم معرفته بأهميته الإنسانية والاجتماعية.