هل دونالد ترامب شيوعي سابق؟
تعامل الإعلام الأميركي مع الرئيس الجديد دونالد ترامب واتهامه بتسريب أخبار ومعلومات إلى وزير الخارجية الروسي لافروف يطرح سؤالاً عن حقيقة علاقته بالروس.
هل ترامب هو عميلٌ سابقٌ لجهاز «كي جي بي»؟ أم هو متعاطفٌ مع سياسات روسيا ومحبٌّ للرئيس بوتين؟ أم هو عنصرٌ مزروعٌ في أجهزة الدولة الأميركية عمل الروس على تثبيته منذ أيام الحرب الباردة ليصل في العام 2016 إلى منصب الرئاسة ليخدم سياستهم؟
كلها أسئلةٌ سخيفةٌ وغير منطقية بلا شك، لكن يطرحها المرء مجاراةً للحملة الشرسة التي يتعرّض لها ترامب حتى بدأت تلاحقه مشاعر الاضطهاد، وهي حالة تراجيدية لا نظن أن أحداً من الرؤساء الأميركيين مرّ بها في التاريخ الأميركي، باستثناء نيكسون صاحب فضيحة «ووترجيت». حتى بيل كلنتون الذي أدين بعلاقته بالمتدربة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي، وجد من يتعاطف معه ويدافع عنه.
ترامب ليس رجلاً تحبه أو تكرهه، وإنّما هو شخصٌ غريب الأطوار، تتابع أخباره وتتفرّج عليه، بدليل أن الأميركيين الذين انتخبوه قبل ستة أشهر، يفكّرون اليوم في إزاحته من منصبه. وهو شخصٌ كثير الكلام، وبالتالي كثير السقطات والهفوات، ومن هنا يسهل التصيّد عليه من قبل خصومه، وربما يدخل في هذا الباب ما قيل من تسريبات. فما هي المعلومات الخطيرة جداً التي سرّبها سراً للروس عن «داعش» وهم موجودون بطائراتهم وأنظمتهم الدفاعية في قلب سورية وسواحلها على البحر الأبيض المتوسط؟
ربما نكون أمام حالة جديدة، يلعب فيها الإعلام الاميركي دوراً محورياً في إزاحة الرئيس، كما حدث في «ووترجيت» منتصف السبعينات. ومثل هذا الإعلام لن تعوزه الحجج ولا المبرّرات في صياغة قصته الخاصة عن وصول هذا الرجل للرئاسة، وإثبات إدانته، فإن لم يجد اختلق له تهماً أخرى، مع أن تاريخه المهني والحياتي لا يخلو من مثل هذه الأدلة والإدانات.
في الجزء الثاني من كتاب مذكراته، «من الذاكرة»، يكشف وزير خارجية الاتحاد السوفياتي في فترة الحرب الباردة اندريه غروميكو، حقيقة ما قيل عن انتحار الممثلة الأميركية مارلين مونرو في الخمسينات. وكانت مونرو نجمة الإغراء الأولى ونموذج الأنوثة الطاغية في هوليوود في تلك الفترة، وقد نشرت الصحافة الأميركية «قصة انتحارها» وصور الغرفة التي قيل أنها انتحرت فيها. ويقول غروميكو إنها قتلت لأنها كانت متهمة بأنها «حمراء» (أي شيوعية). ويضيف: «كانت مشهورة بأنها تتأخر دائماً عن مواعيدها، لكن في اللقاء مع الوفد السوفياتي في هوليوود أتت قبل الموعد بكثيرٍ من الوقت لتحتل مكاناً في الصفوف الأمامية، وجلست على بُعد بضعة أمتار. وبعد انتهاء الحفل الرسمي نادتني مونرو: مستر غروميكو، كيف الحال؟ لفظت هذه العبارة كأننا أصدقاء منذ زمن، علماً بأنني ألتقي بها للمرة الأولى. فرددت عليها: مرحباً! أموري على ما يُرام... كيف حال نجاحاتك؟ لقد شاهدتك كثيراً في الأفلام». ومدّت يدها وصافحته، إلا أن ازدحام الضيوف أبعده عنها إلى قاعة أخرى.
يقول غروميكو إنها كانت في عز مجدها، مرحةً سعيدةً، وقد جلبت لها أفلامها شهرة عالمية، وأدت أدوارها بشكل جذّاب لا يتقنه غيرها. وغدت مثالاً للمشاهد الأميركي و»معبودة للملايين». لكن بعد ثلاث سنوات من ذلك اللقاء، ورد نبأ انتحارها، فكيف انتحرت مونرو المرحة المتعلقة بالحياة، فعمرها لم يكن يتجاوز السادسة والثلاثين؟
هذا السؤال كنا نقرأه في الكتابات الإسلامية الصادرة في السبعينات، التي تتكلّم عن خواء الحياة في الحضارة الغربية، ففي قمة المجد تتقدّم ممثلة مشهورة في قمة مجدها مثل مونرو على الانتحار، وكنا نأخذ ذلك كمسلّمة. لكن غروميكو يكشف أنها ذهبت ضحية مؤامرة، حيث كانت على علاقات جيدة مع سياسيين كبار في بلادها، التقت معهم وحادثتهم في مواضيع شملت السياسة، وكانت على اطلاع على كثيرٍ من الأمور. وكان العديدون يعتبرونها «حمراء» لأنها شاركت في حركة حقوق الإنسان في الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه كانت الصحافة تنشر عن علاقاتها الطيبة بالاتحاد السوفياتي والثقافة السوفياتية، ما دفع بعض المسئولين لكيل الاتهامات لها بأنها ربما أصبحت شيوعية! ويعلّق غروميكو: «هذه الادعاءات لا تحمل أي أثر للحقيقة». ويضيف: في 1986، كتبت «صاندي تايمز» اللندنية أن مونرو تحوّلت في نظر الأجهزة الأميركية إلى «خطر على أمن الولايات المتحدة»، ولذلك أزاحوها عن الطريق.
النخبة الحاكمة بالتعاون الوثيق مع الإعلام، أزاحت مونرو من الحياة في 1962، فهل يواجه ترامب الذي يتهمه الإعلام الأميركي بالعلاقة مع الروس نفس المصير؟