لمن تجمع الأموال في صندوق التعطل؟
عاد نظام التأمين ضد التعطل، والذي يستقطع 1 في المئة من رواتب العاملين في القطاعين العام والخاص، إلى الواجهة، بعد أن كشف وزير المالية الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة في رده على سؤال برلماني، والذي سينظره مجلس النواب في جلسته المقبلة، يوم الثلثاء (23 مايو/ أيار 2017)، أنه «بناء على البيانات المالية غير المدققة، فإن المبلغ المتوفر في حساب التأمين ضد التعطل يبلغ 583 مليوناً و995 ألف دينار بحريني».
الاستقطاع الذي لم ينل رضا المواطنين منذ إقراره قبل عشر سنوات حتى الآن، أثار جدلاً واسعاً في ظل «تعقّد» الأوضاع المعيشية وما تعيشه الدول من أزمة مالية خانقة.
وزارة الداخلية منذ أبريل/ نيسان 2015 قامت باسترجاع قيمة المبالغ المستقطعة عن موظفيها منذ إطلاق المشروع في العام 2017، مما يجعل جميع وزارات ومؤسسات الحكومة مطالبة بأن تحذوا حذو وزارة الداخلية التي قامت بإرجاع حقوق موظفيها، وهو ما لا يُعرف بعد ما إذا كانت خطوة وزارة الداخلية بإرجاع مبالغ التأمين ضد التعطل لموظفيها بأثر رجعي من موازنتها الخاصة أو من مكان آخر، إلا أن الخطوة فتحت الباب على مصراعيه إلى مطالبات نيابية ومن قبل جميع موظفي القطاعين العام والخاص للمعاملة بالمثل، وإسقاط استقطاع الـ 1 في المئة عن كواهلهم أيضاً، بإرجاع ما استقطع منهم بأثر رجعي، أسوة بغيرهم.
في العام 2010 ظهر إلى السطح، عبر تصريحات مسئولين حكوميين، وجود خبراء إكتواريين لإعداد دراسة إكتوارية خاصة بنظام التأمين ضد التعطل، ووضع التصورات الأولية لتحسين مزايا النظام... ومنذ ذلك الحين حتى الآن لم يسمع أحدٌ عن تلك الدارسة ونتائجها وتصوراتها، وما آلت إليه، وسط رفض لتحسين تلك المعايير، وكذلك رفض لجملة مقترحات نيابية رُفعت للحكومة، مع تزايد وعود المسئولين وتصريحاتهم بوجود دراسات لإعادة مراجعة المزايا تخرج بين الحين والأخر لامتصاص غضب الناس فقط.
منذ بدء سريان نظام التأمين ضد التعطل في يونيو/ حزيران 2007 لنهاية العام 2015، مع نهاية العام الماضي، يكون فائض صندوق نظام التأمين ضد التعطل، قاب قوسين أو أدنى من حاجز النصف المليار دينار.
البيانات المالية واضحة، وكشفت عن أن المعدل السنوي لفائض النظام، خلال السنوات الست (من 2009 حتى 2014)، بلغ 62 مليون دينار، وفقاً للأرقام المعلنة من قبل ديوان الرقابة المالية والإدارية.
المستوى التصاعدي للفائض، والذي قفز من (54.711 مليون دينار) في العام 2009، إلى (73.961 مليون دينار) في العام 2014، مسجلاً مجموعاً وقدره (379.751 مليون دينار) خلال السنوات الست فقط.
قبل ذلك، كان النظام قد تمكن من تحقيق فائض مقداره (38.381 مليون دينار) في العام 2008، و(20.520 مليون دينار) في العام 2007، ما يعني أن فائض التعطل من دون عام 2015، قد استقر عند 437.751 مليون دينار.
من الواضح أن الفائض في موازنة نظام التأمين ضد التعطل، وتوجّه جهات رسمية إلى إسقاط الاستقطاع عن موظفيها، سيفتح الباب أمام شهية السلطة التشريعية إلى إعادة فتح الباب من جديد بشأن تغيير مزايا النظام، أو إلغاء النظام وتحمّل الدولة أعباءه بشكل كامل، كما كان مقترحاً من قبل، وهو ما ترفضه الحكومة، إذ ترى أنه ليس بمقدورها تحمّل حصة المؤمّن عليهم، نظراً لأن تحميل الحكومة حصة المؤمّن عليهم يجعل من هذا النظام نظاماً للضمان الاجتماعي يقدّم مساعدات أكثر منه نظاماً تأمينياً يغطي خطر التعطل عن العمل. إن الحكومة تتحمل في الأساس 1 في المئة من أجور المؤمّن عليهم كصاحب عمل، و1 في المئة من أجور المؤمّن عليهم كحكومة، وبالتالي من الصعب تحميل الحكومة عبء التمويل وحدها، ولاسيما أن أغلبية العاملين في القطاع الخاص هم من العمالة الوافدة.
كانت الفكرة النيابية التي رفضتها الحكومة تقوم أيضاً على تحويل نظام التأمين ضد التعطل من نظام تأميني تكافلي إلى نظام للضمان الاجتماعي ضد التعطل، وتحميل الحكومة التبعات المالية كافة التي يتطلبها التشريع الذي ينظم الضمان الاجتماعي بوصفها مسئولة بحكم الدستور عن تحقيق الضمان الاجتماعي للمواطنين ورفع الحد الأدنى لإعانة التعطل سواء بالنسبة للجامعيين أو غير الجامعيين.
الحكومة رفضت أيضاً من قبل مقترحاً نيابياً بجعل استقطاع الـ1 في المئة اختيارياً للمواطنين وإجبارياً على غير البحرينيين، إذ رأت أن ذلك المقترح سيفرّغ القانون من محتواه، بسبب أن كثيراً من المواطنين في القطاعين سينسحبون من نظام التأمين ضد التعطل، وهو الأمر الذي لا يمكن أن تتحمّله الحكومة لوحدها.
من المؤكد أن الحكومة ستكون أمام معضلة حل إشكالية نظام التأمين ضد التعطل الذي بدأ صندوقه في التضخم على حساب حقوق المواطنين، دون تحسين في مزايا تعويضات النظام أو حتى تقليص نسبة الاستقطاعات، في ظل ظروف معيشية صعبة يعاني منها الناس.
كما أنها ستكون أمام معضلة، إسقاط الاستقطاع عن موظفي مؤسسات حكومية وتعويضهم عما استُقطع منهم طوال السنوات الماضية، وإبقائه على الآخرين، ما قد يدخلها في إشكالية «التمييز» بين الموظفين العاملين في القطاع العام أولاً، ومن ثم بين القطاعين العام والخاص ثانياً.
لقد بات من الضروري أن تبحث الحكومة في المرحلة المقبلة في ظل الأوضاع المالية المتردية، عن مخارج حقيقية لحلحلة ملف نظام التأمين ضد التعطل الذي تضخّم صندوقه، فيما قلّت أعداد المستفيدين منه، وسط تذمّر الموظفين والعاملين من الاستمرار في استقطاع رواتبهم لزيادة فائض ذلك الصندوق فقط، دون الاستفادة منه أبداً، فلمن تجمع كل هذه الأموال؟