الرئيس الأميركي المظلوم!
هل كان أحدٌ يتوقع قبل خمسة أشهر فقط، أن يأتي يومٌ يخرج فيه الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، ليصرّح بأنه لم يُظلَم رئيس أميركي مثله في التاريخ!
هذا الرئيس الذي أثار موجةً كبيرةً من الذعر في الأوساط العالمية قبل انتخابه، لكثرة التهديدات التي وزّعها يميناً وشمالاً، حتى قبل انتخابه، أصبح اليوم يشكو من تعرّضه للظلم الشديد!
قبل عام واحد، وإبان تصاعد حملته الانتخابية المجلجلة، كان يطحن منافسيه من الحزب الجمهوري، ويهرسهم هرساً، حتى تخلّص منهم واحداً واحداً، ووصل مبكراً إلى الجولة النهائية ضد هيلاري كلينتون، ليكسحها بنسبة كبيرة، بينما كانت أغلب وسائل الإعلام الأميركية تتوقّع فوزها.
هذا الرجل الذي هدّد وتوعّد، بتغيير قواعد السياسة الأميركية في العالم، ونسف كل ما أنجزه سلفه باراك أوباما، حتى أخاف القريب والبعيد، والصديق والعدو، بعد شهرين من وصوله إلى الحكم بدأ يراجع حساباته مجدداً، فيترك لنفسه مسافةً للمناورة. وفي الشهرين التاليين تزداد معارضته وتشتد، حتى يضطر لإقالة بعض مستشاريه، ويرفض الكونغرس تعيين آخرين.
إن سياسة العجرفة والاكتساح التي كانت تعتبر نقطة قوته، تحوّلت بعد خمسة أشهر إلى نقطة ضعف. وسياسة الهجوم الكاسح التي كان يتبعها ضد منافسيه، تحوّلت إلى سياسة دفاعٍ خجولٍ عن النفس، حتى وجد نفسه محاصراً بالشكوك والاتهامات من كل جانب، فلا يستطيع دفعها ولا ردها.
متابعة مسيرة هذا الرجل، تكشف أنه أخطأ كثيراً في حساباته وأفرط في تقدير قوته، فاستهان ليس بالحزب الديمقراطي بل وحتى بحزبه الجمهوري، وحين وصل للمرحلة الأخيرة من الانتخابات وبدأ بعضهم يراجع موقفه ويدعو لعدم انتخابه، أعلن أنه ماضٍ للرئاسة بدعمٍ من الجمهوريين أو من دونهم، حتى اضطروا لمسايرته حتى الأخير.
أحد أكبر أخطائه أنه أعلن العداء للإعلام الأميركي، الذي كان يسهم في «صنع» الرؤساء، ويوصلهم ويثبّتهم في البيت الأبيض. كما دخل مراراً في صدامٍ مفتوحٍ مع رجالات الإعلام والصحافة بالجملة، وتعمّد إهانتهم، من دون أن يترك له صديقاً، معتمداً على تزايد أعداد متابعيه في «تويتر»!
إن عدم الاكتراث بزيادة الأصدقاء وتقليل الأعداء، أوقعت ترامب في الفخ القاتل، كما أوقعت غيره من الرؤساء من قبل، من موسوليني وهتلر، إلى فرديناند ماركوس وعيدي أمين وأنور السادات وصدّام حسين. فسياسة العجرفة والاستبداد واكتساح الآخرين تنتهي إلى مآسٍ وويلات. واليوم، يناقش الأميركيون احتمال إزاحة ترامب من الرئاسة، على رغم حصوله على 58 في المئة من أصوات الناخبين قبل سبعة أشهر.
اليوم، ومع اشتداد المعارضة بوجهه، يخرج ترامب ليصرّح بأن الظلم اللاحق به لم يشهده رئيس أميركي على مر التاريخ! ومن المفارقات الموحية، أن كلمته جاءت في خطابه للخريجين بأكاديمية حرس السواحل الأميركيين، حيث خاطبهم بقوله: «قاتلوا، قاتلوا، قاتلوا. لا تستسلموا أبداً. وستجري الأمور بخير»، وهو ما يذكرنا بآخر تصريحات الزعيم العربي الراحل معمر القذافي: «أنا معي الملايين من كل الأمم الأخرى سيدافعون عني، من الصحراء إلى الصحراء. دقت ساعة العمل. دقت ساعة الزحف. لا رجوع. إلى الأمام. سنلاحقهم بيت بيت، دار دار».
لم أتوقع أن يأتي يومٌ يصرّح فيه ترامب قائلاً: «لم يُعامل أي سياسي في التاريخ، وأقولها بثقة كبيرة، بمثل هذه الطريقة السيئة أو يُعامَل بمثل هذا الظلم»، ولم أتخيّل يوماً أن أكتب مقالاً بعنوان «الرئيس الأميركي المظلوم»!