الأكل أهم من جلسة النواب
ظاهرة ليست غريبة على مجلس النواب، وهي تكرار استخدام مطرقة الرئيس لرفع جلسة مجلس النواب قبل موعدها المحدد بسبب غياب أو تسرب أو هروب بعض النواب من الجلسة وانعدام النصاب القانوني.
رفع مجلس النواب جلسته يوم الثلثاء (2 مايو/ أيار 2017)، وذلك لعدم اكتمال النصاب، حيث كان المجلس يناقش مشروع قانون بإصدار قانون تنظيم القطاع العقاري، المرافق للمرسوم رقم (29) لسنة 2016.
وانفعل رئيس لجنة المرافق العامة والبيئة حمد الدوسري، ورفع صوته بعد رفع الجلسة مخاطباً المجلس ومنصة الصحافة والإعلام: «نعمل بكل جهد وتعب، ونجلس على مقاعدنا منذ الصباح وحتى ما بعد الظهر لمناقشة قانون مهم وضروري، لكن الأعضاء يتسيبون ويهربون من قاعة الجلسة خلسة، وهذا أمر معيب، فهو يتكرر كل مرة، يحضرون بعد استراحة الصلاة بنصف العدد إن لم يكن أقل، ثم يتسربون تدريجياً».
مسألة تسيب بعض النواب من جلسات المجلس أمر متكرر، ومرصود، ومعلن عنه، ومثار غضب لدى بعض النواب، حتى أنه في ذات مرة (4 فبراير/ شباط 2015) أبدى رئيس مجلس النواب أحمد الملا انزعاجه من تكرار خروج النواب من جلسة المجلس بقصد الأكل، وبعد عودته من أداء صلاة الظهر أبصر الملا تسرب عدد من النواب خارج قبة المجلس، وبقاءهم خارجاً في ردهات المجلس، فلما تسلم رئاسة المجلس من النائب الأول علي العرادي، كرر الملا مطالبته للنواب في الخارج بالعودة إلى داخل المجلس واستكمال أعمال الجلسة، وقال مخاطباً إياهم: «على النواب الذين يأكلون الدخول إلى الجلسة، هذه الجلسة تاريخية، هل الأكل أهم من جلسة النواب».
مدوّنة سلوك النواب، ليست شيئاً خارج المألوف، ولا بدعة برلمانية، بل هي موجودة في معظم البرلمانات للحدّ من تصرفات نواب عادةً ما تكون خارج السياق العام، إلا أن مجلس النواب أصدر حديثاً مدونة سلوك لموظفي الأمانة العامة للمجلس، ونسي أن المجلس النيابي في أمس الحاجة لتلك المدونة لضبط تصرفات بعض النواب ومنع وقوع التجاوزات والمخالفات والتسرب أو التسيب وتعطيل أعمال المجلس.
أهمية هذه المدوّنة، تكمن في تحديد طريقة التعامل بين النواب وبعضهم البعض، وبينهم وبين العاملين داخل المجلس، كما أنها تضع جزاءات لمن يقوم بمخالفات داخل المجلس، أضف إلى ذلك حتى تصرفاتهم خارج المجلس، وانعكاس ذلك على سمعة مجلس النواب.
مجلس النواب في البحرين بحاجةٍ إلى ضوابط «رادعة»، وعقوبات واضحة على الأعضاء في حال مخالفتهم لبنودها وما تنصّ عليه مدوّنة السلوك، وذلك للسيطرة على النواب؛ في ظل تزايد الشكاوى الداخلية بين النواب وبعضهم البعض، وبين النواب وعامة الناس، حتى بلغ الأمر وصول الكثير من القضايا لساحات المحاكم في كلا الحالتين نتيجة غياب تلك الضوابط.
لابد من وجود لجنةٍ دائمةٍ لمراقبة سلوك النواب، وتتلخص مهمتها في متابعة التزام النواب ببنود المدوّنة، ومتابعة إعلان النائب عن ذمته المالية ومنظومة أعماله ومصالحه، وحتى التدقيق على أخلاقياته، ومدى التزامه بالقوانين، وعدم استغلاله لموقعه البرلماني لتحقيق مكاسب شخصية، والتزامه بمواعيد الجلسات وأعمال اللجان، كون ما يتسلمه من «مكافآت مالية» يكون نظير عمل يقوم به أثناء انعقاد المجلس أو عبر اللجان العامة وغيرها.
مدوّنة السلوك للنواب، عبارة عن ميثاق شرف أو بروتوكول مكتوب للمجلس يحدّد ما هو مسموح وغير مسموح داخله، تضمن استمرار عمل المجلس وفق منظومة محددة واشتراطات واضحة، يلتزم بها الجميع.
من المعيب أن يتم الحديث عن تسرب النواب من جلسات المجلس، وهي الجهة الرقابية التي ستراقب أداء السلطة التنفيذية، ففاقد الشيء لا يعطيه، ومن لا يستطيع أن يضبط أداءه وعمله، لن يكون قادراً على مراقبة وضبط أداء وعمل غيره.
كيف يمكن فرض احترام المجلس على الجميع، عندما يكون الوزير والمسئولون في الحكومة جالسين في مواقعهم داخل المجلس وتاركين أعمالهم ومصالح الناس بانتظار المناقشات النيابية، فيما النواب غائبون ويتسربون من المجلس حتى ترفع الجلسة بذريعة عدم وجود نصاب قانوني.
إلى السادة مجلس النواب، الإصلاح والتغيير يبدأ من على بابكم أنتم أولاً، وقبل أبواب غيركم، ويبدأ من ضبط سلوككم، قبل ضبط سلوك موظفيكم، فمدونة سلوك النواب أهم وأولى من مدونة سلوب موظفيكم، فبعضكم من يتسيب ويتسرب من الجلسة وراء الأكل كما يقول رئيسكم.