في النميمة على الزوجين الفرنسيين
اتفقت الثقافة الغربية والشرقية، المتحررة منها والمتحفظة في العالم كله، على الاستغراب من ربع القرن الذي هو فارق العمر بين الرئيس الفرنسي المنتخب حديثاً، إيمانويل ماكرون (39 عاماً) وزوجته، بريجيت ماكرون (63 عاماً). وولّد هذا الفارق نميمة عالمية على مدى أيام الفترة الأخيرة التي ظهر فيها الزوجان بكثافة معاً في حملة ماكرون لكسب الرئاسة. وعلى رغم أن فارق السن هو نفسه بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب (70 عاماً) وزوجته ميلانيا (47 عاماً)، إلا أن كل المجتمعات على اختلاف ثقافاتها تظهر استغراباً أقل لعلاقات الزواج التي يكبر فيها الرجل المرأة وليس مهماً عدد السنوات، مقارنة بالعلاقات التي تكبر فيها المرأة الرجل.
لم يكن لميلانيا ترامب أية قيمة حقيقية في حضورها إلى جانب زوجها الرئيس المرتقب في حملاته سوى أنها ديكور «جميل»، كما لم تكن لها أية قيمة مرتقبة في أي مجال بعد فوز زوجها، إذ لم يكن معروفاً عنها أي اهتمام ذات قيمة إنسانية أو غيرها، سوى أنها زوجة الرئيس الثري الذي سيستطيع أن يسمّى لها ما يشاء وما تشاء من المجالات التي ستصنع لها قيمة كسيدة أولى، ولم يهتم أحد بالتساؤل عما جذبها لأن تتزوج رجلاً يكبرها بنحو قرن، أو ما الذي جذب الرجل السبعيني أن يتزوج امرأة في سن ابنته، فخلفية الاثنين تجيب عن أي تساؤل، ولا تترك مجالاً للاستغراب والتحليل.
وبعكس ذلك، كانت النميمة ساخنة على فارق العمر بين الرئيس الفرنسي وزوجته التي التقاها أول مرة عندما كان في الخامسة عشرة من عمره، عندما كان طالباً في حصة الدراما وكانت هي معلمته في عمر الـ 39، انبهرت هي بذكائه وهما يعيدان معاً كتابة أحد الأعمال الأدبية، بينما وعدها وهو في سن السابعة عشرة أن يتزوجها «مهما فعلت»، وفعل بعد مرور نحو 15 عاماً أخرى عندما أصبح ماكرون على مشارف الثلاثين، وكانت السيدة ترونيو التي أصبحت فيما بعد السيدة ماكرون، قد تجاوزت الخمسين بثلاث سنوات.
وعلى عكس ترامب وزوجته كانت ماكرون التي استقالت من عملها كمعلمة منذ أن تولّى زوجها محفظة الاقتصاد في عهد الرئيس السابق فرنسوا هولاند، تسير إلى جانب زوجها خطوة بخطوة، تتابع حملته، وتراجع خُطبه، ويحرص هو من جانبه أن تكون معه، يتحدث عنها وعن مساهمتها المرتقبة في مجال التعليم الذي تتخصص فيه.
اختلاف التكوين الثقافي للزوجين الأميركي والفرنسي ليس هو سبب اختلاف تلقّي الناس وتقبلهم للفارق العمري بين الاثنين، بقدر اختلاف جنس الطرف الأكبر عمراً في العلاقة إذ إن التوافق الفكري بين الزوجين الفرنسيين يبدو واضحاً من تاريخ العلاقة بينهما. وهذا الاختلاف ليس خالياً تماماً من المنطق، فالزواج في هدفه الطبيعي والتقليدي هو مشروع تكوين أسرة وإنجاب أطفال، ولذلك يُتقبل زواج الرجل في أي عمر كان من امرأة تصغره سناً، بينما الزواج من امرأة تتجاوز الخمسين يلغى أحد أهداف الزواج. وهذا ما ذهب بالنمّامين إلى اتهام ماكرون بالمثلية وأن له حياة موازية، ما دعاه للرد على المستغربين بأن «كراهية النساء» و «رهاب المثلية» يقفان وراء التخمين بأن الحب ليس هو ما يجمعه بزوجته التي تكبره عمراً.
تابعت تعليقات القراء في المواقع الإعلامية الغربية على الفارق العمري بين الزوجين الفرنسيين، فلم أجدها تختلف عن التعليقات التي امتلأت في الحسابات الإلكترونية في هواتفنا العربية بعد ظهور الزوجين في وسائل الإعلام والحديث عن عمرهما. الاستغراب وعدم التقبل كان هو الغالب، فيما البقية تجد في ذلك خياراً شخصياً ليس مطلوباً من أطرافه تبريره لأي كان.
وفي حين يرى علماء النفس أن للفوارق العمرية أسباباً نفسية تقف وراءها، كبحث الزوج عن امرأة بمواصفات الأم لشدة ارتباطه بها أو لتعويض دورها إن كان فاقداً لها، والأمر ذاته ينطبق على المرأة التي ترتبط بزوج تبحث فيه عن مواصفات الأب، يحرص الزوج الرئاسي الفرنسي على تأكيد الالتقاء الثقافي والروحي في تشكيل العلاقة بينهما للرد على فضول جمهورهما وحيرته وتعليقاته، إلا أن المال يبقى عاملاً لا يستهان به ليؤكد أن مقولة «الرجل لا يعيبه سوى جيبه» ليست مقولة عربية وإنما هي عالمية عابرة للقارات وصولاً للبيت الأبيض.