لجنة مناهضة التعذيب من «نزيهة» لـ «مسيّسة»!
أصدرت لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي (12 مايو/ أيار 2017)، ملاحظاتها النهائية للتقارير الدورية الثانية والثالثة بشأن مملكة البحرين، وعبّرت عن قلقها إزاء التطبيق الفعلي للحبس الانفرادي في مراكز الاحتجاز المختلفة في البحرين كعقوبة لفترات زمنية طويلة.
اللجنة التي شهدت الحكومة بنزاهتها، أوصت بالكثير من الوصايا التي ترفضها الجهات الرسمية جملةً وتفصيلاً، وتصف عادةً من يتبناها بأنه «مسيس»، واعتمدت في ذلك على «معلومات مغلوطة» ومن جهات غير محايدة.
تحدّثت اللجنة في تقريرها النهائي، وبعد أن استمعت لإجابات الوفد البحريني الرسمي على أسئلتها يوم الإثنين (24 أبريل/ نيسان 2017)، عن قلقها إزاء استمرار الكثير من دعاوى حالات التعذيب الواسعة وسوء المعاملة ضد أشخاص حرموا من حريتهم داخل وخارج أماكن الاحتجاز، وكذلك قلقها إزاء مناخ الإفلات من العقاب السائد فيما يبدو نتيجة لانخفاض عدد الإدانات للمتهمين في قضايا التعذيب، أو بسبب الأحكام المخففة الصادرة تجاه الأشخاص المسئولين عن قضايا التعذيب التي أفضت إلى حالات وفاة.
لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة قبل أن تصدر تقريرها حصلت على أمرين مهمين وهما، اعتراف رسمي بنزاهتها وأن أعضاءها العشرة «من الخبراء الدوليين المستقلين من المشهود لهم بالنزاهة والمعرفة القانونية والحقوقية»، وهذا اعتراف مهم جداً سيمنع أي تشكيك في صدقية اللجنة ومهنيتها. أما الأمر الثاني، وهو الاستماع وبشكل «مسهب» ومطول لإجابات الوفد الرسمي على كل أسئلة واستفسارات المشاركين في مناقشة التقريرين الوطنيين الدوريين الثاني والثالث (الجمعة 21 أبريل 2017) بشأن تنفيذ اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
أي أن اللجنة بتلك الخطوة أيضاً قطعت الطريق أمام من سيدّعي أن اللجنة لم تستمع للجهات الرسمية، أو أنها تستقي معلوماتها من جهات «مسيسة» أو غير محايدة.
كون لجنة مناهضة التعذيب «نزيهة» واستمعت لردود الوفد الرسمي بشأن أسئلتها واستفساراتها، فإن ذلك أعطى مخرجاتها في تقريرها النهائي قوة إضافية، إذ طالبت اللجنة حكومة البحرين باتخاذ المزيد من التدابير المتعلقة بالتنفيذ الفعلي لتوصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، الخاصة بالتحقيق في دعاوى التعذيب وسوء المعاملة، واتخاذ تدابير فعالة للقضاء على حالات الإفلات من العقاب الخاصة بممارسة التعذيب ومحاسبة المتورطين في هذه الأفعال، وهو الملف الذي تسعى الجهات الرسمية لإغلاقه ومنع الحديث فيه.
وأوصت اللجنة بالنظر في إلغاء المواد التشريعية المتعلقة بمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وإلغاء التعديلات التي أجريت على قانون القضاء العسكري، وإعادة الحديث أيضاً عن إخضاع جميع المحاكمات التي تصدرها محاكم السلامة الوطنية إلى المحاكم العادية، مع توفير كافة مبادئ المحاكمة العادلة.
اللجنة تحدثت بشكل مسهب عن الأحكام القضائية، وادعاءات انتزاع الاعترافات تحت وطأة التعذيب وأحكام الإعدام، و«الاعترافات القسرية» عندما بينت أنها قلقة من «الحالات الواسعة للاعترافات القسرية التي تشكل دليل الإدانة أمام المحاكم، في ظل غياب المعلومات بشأن إدانة المسئولين المتورطين في قضايا انتزاع الاعترافات بالإكراه».
وتطرّق التقرير أيضاً للحديث عن «ادعاءات الانتقام والتعذيب وسوء معاملة المدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين وغيرهم»، وطالبت اللجنة بالإفراج عنهم، والتحقيق الفوري النزيه والشامل في جميع الادعاءات المتعلقة بالمضايقات والاعتقالات التعسفية وسوء المعاملة التي يتعرض لها المدافعون عن حقوق الإنسان.
بعد حديث اللجنة السابق وما جاء في تقريرها النهائي وتوصياتها ومطالباتها التي خلصت في النهاية إلى الإصرار على زيارة المفوض السامي لحقوق الإنسان ومقرر التعذيب إلى البحرين وتمكينه من زيارة أماكن الاحتجاز. سيخرج البعض كالعادة ليعيد ذات الاتهامات للمنظمات والمؤسسات الدولية على أنها «مسيّسة» وذات أجندات وغيرها، على رغم شهادة الحكومة الموثقة بـ «نزاهة اللجنة وأعضائها»، وذلك عندما أورد مساعد وزير الخارجية عبدالله فيصل جبر الدوسري في بيان رسمي صادر عن وزارة الخارجية، قبل مشاركة مملكة البحرين في اجتماعات الدورة الستين للجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة في جنيف خلال الفترة من 18 أبريل إلى 12 مايو 2017 بأن «لجنة مناهضة التعذيب تتكوّن من عشرة من الخبراء الدوليين المستقلين من المشهود لهم بالنزاهة والمعرفة القانونية والحقوقية».
ما ذكر من مطالبات وتوصيات وغيرها، ورد على لسان اللجنة المشهود لها بـ «النزاهة»، فهل سيتم الاعتراف بذلك رسمياً أم سيتم التشكيك فيه مجدداً، وتتحول «شهادة النزاهة» إلى شهادة أخرى واتهامات وغيرها كما كانت العادة!