ملاحظات جديرة بالاهتمام عن التوظيف والترقيات والحوافز
منذ زمن ليس بالقريب يُطرَح في المحافل الاجتماعية بين الفينة والفينة الأخرى موضوع خاص عن السلوكيات الخاطئة التي تمارس في التوظيف والترقيات والحوافز في بعض الدوائر والهيئات الرسمية، وفي بعض مؤسسات القطاع الخاص، ويقولون أن هذه السلوكيات المتضرر الوحيد منها هو المواطن البحريني الباحث عن العمل والطامح للترقية، فكثير من المواطنين يتحدثون عنها بمرارة وحسرة على مستقبل وطنهم، وفي الست سنوات الأخيرة خاصة، كثر الكلام عنها في المجالس والمحافل الاجتماعية، ويقولون أن تجاهل هذه السلوكيات السلبية أو التغافل عنها سيجعل تداعياتها وانعكاساتها تتفاقم وتتسع في المستقبل القريب.
السبب الرئيسي الذي جعلنا نكتب عن هذا الموضوع الحساس، هو اعتقادنا أن الجهات المعنية بسلامة مستقبل البحرين ستعطي اهتماماً كبيراً لهذه القضية الخطيرة، وأنها ستعمل على معالجتها معالجة ناجعة، عاجلاً أم آجلاً، لم نكن في السابق ننوي الكتابة عن هذه السلوكيات الخاطئة؛ ولكن بعد أن أصبح حديث الكثيرين في المجتمع البحريني، رأينا من واجبنا الأخلاقي والاجتماعي والإنساني التطرق إليها، ولفت انتباه الجهات المعنية في البلاد لمخاطرها التي لا يعرف مداها إلا الله تعالى والراسخون في العلم، لكي تضعه على طاولة البحث والدراسة والتقصي، واتخاذ الخطوات الوقائية والعلاجية التي تتناسب مع خطورتها، لم نطرحها إلا بعد أن رأيناها تشغل أذهان الكثيرين من أبناء هذا الوطن الحبيب، وخصوصاً الواعين والطموحين والمخلصين والمبدعين والمبادرين والحريصين في أعمالهم والساعين بكل جد واجتهاد في تحسين وزيادة نتاجاتهم.
قد يسألنا القارىء الكريم، ماهي السلوكيات الخطيرة التي أطلت في المقدمة إلى هذا الحد؟ أقول لكم أيها الأحبة إن السلوكيات الخاطئة التي أشير إليها هي سلوكيات الموظف المسئول الذي يتعامل مع التوظيف والترقيات والمكافآت والحوافز بالانتماء، العرقي أو الطائفي أو المذهبي، فمن الشكاوى التي تسمعها دائماً في هذا المجال، أن هذا الموظف المسئول أو ذاك يتجاوز المعايير القانونية ويأتي بأقاربه أو من ينتمي إلى عرقه أو من ينتمون إلى التيار الديني السياسي الذي ينتسب إليه فكرياً وأيديولوجياً ويوظفهم ويعطيهم المناصب من دون أن يطبق عليهم معايير التوظيف المعتمدة قانونياً، وفي حال الترقيات والمكافآت والحوافز يقدمهم على غيرهم من الموظفين البحرينيين، وكما يقولون إن المسئول الذي يتبع هذا السلوك الخاطئ لا يضع في حساباته مصالح الوطن العليا، كل ما يفكر فيه هو خدمة وإرضاء أقاربه، وأبناء عرقه أو تياره أو طائفته ومصالحه الشخصية، وهذا ما جعله لا يهتم بالكفاءات والخبرات البحرينية ولا يعير لها أي اهتمام، التي لو أعطيت الفرصة كاملة لكانت نسبة الإنتاج وجودته عالية جداً.
لا نسطيع أن نحدد المساحات التي تتواجد فيها هذه السلوكيات الممقوتة، لأن ذلك يحتاج إلى جهة لديها إمكانات كبيرة في مجالات البحث والدراسة وتقصي المعلومات، للوصول إلى مستوى حجمه، ومدى خطورته في مختلف الدوائر الرسمية والخاصة، ما نتلقاه من شكاوى كثيرة عن سلبيات وتداعيات هذه السلوكيات الخاطئة، يجعلنا نؤمن بنسبة كبيرة بوجودها في القطاعين العام والخاص وبشكل لافت، وهناك تأكيد من بعض الموظفين المتضررين أن هناك ثلاثة أصناف رئيسية للموظف المسئول المتعامل بهذه السلوكيات الخاطئة، وهي كالتالي:
الصنف الأول: يهتم كثيراً بتوظيف وترقية من ينتمون إلى المكوّن الذي ينتمي إليه بشكل عام، فغيرهم من المتقدمين لطلب الوظيفة لا يعطيهم حقهم في التوظيف، والموظفون لا يجعل لهم نصيباً في الترقيات والحوافز والمكافآت حتى ولو كانوا يتمتعون بالكفاءة والخبرة العاليتين.
الصنف الثاني: يعمل بكل الإمكانات المتاحة له في توظيف وترقية وإعطاء الحوافز والمكافآت إلى كل من ينتمي إلى تياره الأيديولوجي، وغيرهم من لا ينتمون إلى أية تيار، والذين ينتمون إلى تيارات أيديولوجية تختلف مع التيار الذي ينتسب إليه، يبقون سنوات طويلة من دون أن يطرأ على وضعهم أي تحسين، يكون له الأثر الإيجابي على مستقبلهم الوظيفي، حتى ولو كانوا من نفس مكونه المذهبي، ناهيك عن الموظفين الذين هم من غير مكونه الطائفي أو العرقي أو المذهبي، فإنهم محرمون من كل الامتيازات الوظيفية، ومحاسبون على كل ورادة وشاردة، بخلاف الموظفين الذين هم من تيار الموظف المسئول.
الصنف الثالث: ليس له اهتمام في حال التوظيف والترقيات والحوافز والمكافآت بالانتماء الطائفي أو المذهبي أو العرقي، كل ما يهمه تحقيق مصالحه الشخصية، بكل الطرق والوسائل غير القانونية، فهو يعمل بالواسطات والمحسوبيات، وتبادل المصالح الشخصية بينه وبين من لهم علاقة بهذا الموظف أو ذاك.
في الواقع أن كل تلك الأصناف الثلاثة لا يفكرون في مصلحة وطنهم، حتى ولو قالوا وصرحوا في المحافل الاجتماعية والمهنية وعبر مختلف الوسائل الإعلامية (المقروءة والمسموعة والمرئية) أنهم حريصون كل الحرص على مستقبل بلادهم، لأن سلوكهم العملي لا يدل على ما يدعونه، جملة وتفصيلاً.
فمن أجل أن يتحسن واقع الوطن في كل المجالات والاتجاهات، يجب أن تعالج هذه السلوكيات والآليات والأساليب الخاطئة في التوظيف والترقيات والحوافز أينما وجدت في أية دائرة أو مؤسسة، في القطاعين، العام والخاص، لأن وجود هذه الأصناف في أي منصب متقدم يسهم في تدمير الطاقات والكفاءات والخبرات البحرينية، وليس خافياً على الجهات المعنية كل هذه القضايا المرة، عند قيام أي أحد من الناس بزيارة إلى بعض الوزارات والهيئات والدوائر الحكومية يجد ما يتناقل بخصوص هذا الموضوع واضحاً كوضوح الشمس، في بعضها لا ترى أي وجود لمكونات معينة، فجميعهم أو جلهم من مكون واحد أو من تيار واحد أو من عرق واحد أو من عائلة واحدة أحياناً، كالحالة التي كتب عنها قبل عدة أشهر عندما تغيّب الكثير من موظفي إحدى المؤسسات بسبب وفاة أحد أفراد عائلتهم، وتم تعطيل العمل في تلك المؤسسة بنسبة كبيرة.
في هذا المقال نتحدث عن بعض الحالات السلبية التي تضعف الوطن وتؤثر تأثيراً مباشراً على مستقبله، بالتأكيد لو طبقت القاعدة الأخلاقية التي تقول (لكل مجتهد نصيب) لما وجدنا لهذه الحالات السلبية أي وجود، لا في القطاع العام ولا في القطاع الخاص، ولما رأينا في بعض المؤسسات الخاصة أن الأجنبي هو الخيار الأول في التوظيف، وليس المواطن البحريني، وهذا ما حدث لبعض الشباب البحريني عندما تقدموا لإحدى المؤسسات الخاصة بطلب توظيفهم فيها، لقد سألهم الموظف المسئول عن استلام الطلبات، هل أنتم أجانب؟ أجابوه بالنفي، كانوا يعتقدون أنهم مقدمون على الأجانب في شغل الوظيفة، وإذا بالموظف المسئول في تلك المؤسسة يقول لهم بكل وضوح ومن دون حياء، أن المؤسسة لا توظف بحرينيين، لم يصدقوا ما سمعوه من ذلك الموظف المسئول، وكان قوله صادماً لهم بكل المقاييس الأخلاقية والإنسانية، تغييب هذه القاعدة الأخلاقية الأصيلة بتعمد في حال التوظيف أو الترقيات أو المكافآت لا شك أن ذلك التصرف لن يفضي إلا بزيادة الإخفاقات والتراجعات في الإنتاج والجودة، مازلنا نقول لو صح الكلام الذي يدور في الكثير من المحافل الاجتماعية، وبين الأفراد والجماعات عن هذه الحالات غير القانونية، بعد البحث والدراسة، كيف سيكون الحال في المستقبل؟