الحكومة من أطلقت «الإشاعات»
كشف وزير العمل والتنمية الاجتماعية جميل حميدان أن عدد البحرينيين الذين تقاعدوا في العام 2016 كان «أكثر بكثير من المعدلات الاعتيادية»، وبلغوا نحو 7 آلاف بحريني، منهم 3700 في القطاع الخاص، وأكثر من 3 آلاف بقليل في القطاع العام، وأرجع بعضاً من أسباب ذلك إلى أن «سماع البعض إشاعات عن تغيير مزايا التقاعد».
الكل يجمع على أن العام الماضي 2016 كان عام «التقاعد»، إثر توجه الكثيرين من العاملين في القطاعين العام والخاص نحو خيار التقاعد المبكر، خوفاً من التغييرات المرتقبة في نظام التقاعد.
وصف وزير العمل ما حدث العام الماضي بـ «الإشاعة» غير دقيق بتاتاً ويجافي الواقع، وخصوصاً أن تخوف الناس كان نابعاً من توجهات رسمية وتصريحات وتلميحات علنية، وعدم وجود أي توضيح رسمي أو إعلان عن عدم النية نحو ذلك التوجه، ما زاد من حركة الناس نحو خيار التقاعد المبكر خوفاً على مستحقاتهم ومستقبلهم.
منذ أبريل/ نيسان 2016 انشغل الناس بملف هيئة التأمين الاجتماعي، وما لمح له من قبل وزير المالية الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة، إلى إمكانية مراجعة نظام التقاعد في البحرين، وذلك لوجود تحديات مختلفة، في ردِّه على كلام ذكره النائب عبدالرحمن بوعلي خلال جلسة مجلس النواب يوم الثلثاء (26 أبريل 2016) بشأن ما اعتبره «لغطاً» في المجتمع، وكلاماً عن أن الحكومة ستصدر قرارات لإلغاء مكافأة نهاية الخدمة، ورفع سن التقاعد إلى 65 عاماً، وإلغاء نظام شراء سنوات الخدمة، فيما أكد رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، أن مكافأة نهاية الخدمة لن تُمَسَّ أو تُطالَ وأنّ ما يُثار بشأن إلغائها غير صحيح البتة، ما دفع غالبية أعضاء مجلس النواب إلى الموافقة على سحب طلب طرح مناقشة عامة بشأن استيضاح الحكومة بشأن التقاعد.
ما حسمت أمره الحكومة كان فقط المتعلق بأن «مكافأة نهاية الخدمة لن تُمَسَّ أو تُطالَ»، وهذه هي الضمانة الحكومية الوحيدة التي خرجت في ظل كل ذلك اللغط، فيما استمر الحديث عن الأمور الأخرى، كرفع سن التقاعد إلى 65 عاماً، وإلغاء نظام شراء سنوات الخدمة منذ ذلك العام.
من حق الشارع البحريني أن يطالب بحماية مكتسباته التقاعدية وعدم المساس بها، وألا تكون حلول أخطاء القائمين على الصناديق التقاعدية محملة على ظهورهم ومن أموالهم، في ظل الوضع المعيشي الصعب وتدني الأجور.
الحل ليس في تلك السيناريوهات التي تقوم على رفع الاشتراكات، وزيادة الأعباء على المواطنين ومد سنوات الخدمة، بل الحل في خطة واضحة مبنية على أسس صحيحة، وليس قرارات آنية لتفادي الخروج من مستنقع الأزمات المالية، وتتحمل الجهات الرسمية مسئولية تخبطها في اتخاذ القرارات واستنزاف أموال تلك الصناديق من دون أي جدوى مالية تعود عليها، مما يُحمَّل أعباء الإخفاقات بعد ذلك المشتركون (المواطنون) نتيجة تلك الأخطاء المتكررة منذ سنوات طويلة.
ومن بين تلك الأخطاء أن نسبة كبيرة من المحفظة العقارية لصناديق التقاعد لا يتم استثمارها، بل هي أرض «خام» لا قيمة فعلية لها، بل قيمتها «دفترية» تزين سجلات وأرقام الهيئة خلال استعراضها موازناتها!
أصبح الجميع مؤمناً بأن الجهات الرسمية أطلقت بالونة «اختبار» في أبريل الماضي لمعرفة مدى تقبل الناس للتوجه الحكومي نحو تغيير مزايا التقاعد، وما إذا كان بوسعها المضي قدماً في ذلك أم التراجع عنه والبحث عن خيارات أخرى قادرة على تقليص النفقات المتكررة، يعتقد الكثيرون أن القصد من وراء زوبعة تغيير «شائعة» نظام التقاعد، هو تقليص عدد العاملين في القطاع العام، من خلال «إخافتهم» وفتح الباب أمامهم نحو التقاعد المبكر، وتحميل أعباء معاشاتهم لصناديق التقاعد، بدلاً من موازنة الدولة التي باتت تشكل قلقاً كبيراً في ظل عجز واضح في إكمالها والخروج بها وتسليمها للسلطة التشريعية، فمازالت البلاد تعيش من دون موازنة عامة منذ مطلع العام الجاري!
الواضح جداً أن هناك أزمة وإرباكاً، وعدم قدرة على وضع حلول عملية وممكنة للخروج من الأزمة المالية، وأزمة الموازنة العامة ومنذ فترة طويلة، وذلك الإرباك انعكس على طرح المشاريع والمقترحات، ومن ثم اعتبارها «إشاعات» عندما يجدون ردود الفعل عكسية وغير متوقعة أو نتائجها كانت «كارثية»، لتحمل الحكومة المواطن أيضاً حتى مسئولية «الإشاعة» وإطلاقها وتصديقها!