العدد 5358 بتاريخ 08-05-2017م تسجيل الدخول


الرئيسيةالأعمدة
شارك:


إخفاقات الربيع العربي وشعار «ظل على مجنونك»!

كان النظامان الملكيان السابقان المصري والعراقي من أكثر الأنظمة «الليبرالية» تشابهاً في ظروف نشأتهما السياسية التاريخية، فكلاهما تأسس في وقت متزامن من أوائل عشرينات القرن الماضي، وكلاهما جاء في ظل الاحتلال البريطاني وسمحا بديمقراطية تعددية شكلية محدودة مُكبلة بقيود تمنح رأس النظام القائم والاحتلال سلطات أكبر من السلطتين التشريعية والقضائية، كما جاءت الثورتان عليهما بانقلابين عسكريين، ثورة 23 يوليو/ تموز 1952، وثورة 14 يوليو/ تموز العراقية، متشابهتين أيضاً في الظروف السياسية التاريخية، وهاتان الثورتان وإن أخفقتا في تحقيق أي إنجازات ملموسة على صعيد الحريات الدستورية الديمقراطية الحقيقية، إلا أن كلتيهما حققتا مكتسبات اجتماعية مهمة ملموسة على صعيد العدالة الاجتماعية، علماً بأن نظام ثورة 14 تموز العراقية لم يستمر سوى أربع سنوات ونيف فقط بعدما أطاحه البعث في انقلاب دموي عسكري في فبراير/ شباط 1963، في حين أجهز على المكتسبات الاجتماعية لثورة يوليو/ تموز المصرية الرئيس أنور السادات الذي خلف قائدها جمال عبد الناصر في الرئاسة.

وبهذا المعنى فإن ما حققه النظامان السياسيان اللذان شيدتهما كلتا الثورتين من مكتسبات اجتماعية لهو أعظم مما حققه النظامان اللذان سبقاهما من مكتسبات سياسية ديمقراطية مزعومة لم تكن، كما أسلفنا، إلا شكلية محدودة ومُقيدة، ومع ذلك فإنك تجد منذ إسقاطهما وإلى يومنا هذا أن هناك من يوظف إخفاقات الثورتين المصرية والعراقية وأخطاءهما للدلالة على عظمة النظامين «الليبراليين» رغم ارتهانهما لإرادة الاحتلال الإنجليزي، ورغم أن النظامين الملكيين السابقين المصري والعراقي لم يشأ الاحتلال أن يستغل سلطاته ونفوذه لتصميمهما على غرار الملكيات الدستورية الغربية والتي من بينها «الملكية الدستورية البريطانية» في دولة الاحتلال ذاته.

وعلى هذا المنوال فإنك لتجد اليوم نماذج كثيرة في الإعلام الرسمي العربي من يحاول الاصطياد في الماء العكر أو دس السم في العسل للحط من قيمة ثورات وانتفاضات الربيع العربي الشعبية السلمية، التي تفجرت قبل بضع سنوات والزعم بأنها المسئولة عن كل المآسي والكوارث السياسية والأمنية والاقتصادية التي اجتاحت لاحقاً بلدانها، وأنه لو جرى المحافظة على الوضع القائم لعاشت شعوبها في جو من الأمن والاستقرار والرخاء دون أن تدهمها تلك الكوارث والمآسي. ولعل مصر والتي نجحت ثورتها في إسقاط الرئيس المخلوع حسني مبارك خلال 18 يوماً مُتحفزة بنجاح الثورة التونسية السريع والتي لم تستمر هي الأخرى سوى أسابيع معدودة لخلع زين العابدين بن علي، خير برهان على ذلك بالنظر للمكاسب المحدودة للغاية التي نالها الشعب المصري من ثورة يناير 2011 رغم التضحيات الهائلة التي قدمها شباب الثورة طوال أيام اندلاعها.

وهكذا فكأنما لسان حال هذا الرأي الديماغوجي الذي يحاول كتّاب وأنصار الأنظمة السابقة المُطاح بها تثبيط عزائم الجماهير، يُحاكي مثلنا الشعبي السائر «ظل على مجنونك لا يجيك إلا أجن منه»، بمعنى حافظ على وضعك المتردي على جميع الأصعدة، وأرضَ بقسمتك الضيزى فلن تجني من محاولتك تغييرها سوى الأسوأ! ومن الكتّاب العرب الذين تصدوا بتحليل موضوعي لتفنيد تلك الأطروحة الإحباطية الكاتب الأردني موسى برهومة في مقال له نُشر في «الحياة» السعودية بتاريخ أول مايو/ أيار الشهر الجاري، وجاء فيه: «كأنما قدر العربي أن يعيش بين خيارين مُرين: الاستبداد أو الحرية، وكأن الخيارات الأخرى انعدمت، فإما تقبل بصدام حسين الذي حوّل العراق إلى سجن كبير لا يسمع فيه إلا صوت، مُخالف لأوامر البعث المقدسة، وإما أن تكون رهين الموت المجاني الذي يباغتك في كل لحظة وعند أي مفترق». ويضيف برهومة مُحذراً إعلام الأنظمة العربية الفاسدة من الاتكاء على هذه السياسة ضيقة الاُفق لأنها وإن نجحت في بعث يأس الجماهير من قوى المعارضة على المدى المنظور، فإن مصيرها الفشل المحتوم على المدى البعيد: «ومضت دول عدة لم تصبها لوثة التدمير إلى اعتماد سياسة وقائية تهدد بها المخالفين والمعارضين وناقدي سياساتها، فتذّكرهم وتحرض عليهما الدهماء بأن نقدهم سيقود بلادهم إلى الدمار والهلاك، وتلك فزّاعة ابتكرتها الأنظمة في أعقاب ما عُرف بثورات الربيع العربي». ثم يستطرد قائلاً: «ولئن أسهمت تلك الفزاعة، مؤقتاً، في قلب ظهر المجن من قِبل الناس العاديين للمعارضة السياسية في بلادهم، إلا أنها لاتستطيع على المدى البعيد أن توقف قطار الزمن، ولا أن تعلن القطيعة مع فتوحات العقل السياسي الذي قال منذ قرون طويلة بإمكان عقد مصالحة بين ما يظنه كثيرون نقائض، ونعني بها :الحرية والأمن، الرفاهية والديمقراطية، التقدم الاقتصادي والكرامة، الانفتاح وحفظ الهوية ... إلخ.» .



أضف تعليق



التعليقات 5
زائر 1 | 10:05 م ودائما تنسون أو تتناسون الثوره السوريه لغرض في نفس يعقوب ولا يختلف اثنان على سوء الانظمه العربيه جميعا ولكن أيهما احسن التغيير بالغزو كما حدث في العراق وتدمير الأوطان لكي يأتي مجنون أخس من آخر أم بالتدرج والحراك السلمي . رد على تعليق
زائر 2 | 11:04 م يختلقون للشعوب الوضع الأسوأ والأردأ والأدهى لكي تقبل هذه الشعوب بوضعها السيء ولا تفكّر في التغيير رد على تعليق
زائر 4 | 11:14 م الشعوب تعامل كأنها الفقير المستجدي الذي يتفضّل عليه بنفص قرص فإذا احتجّ وطالب بحقه سرق منه نصف القرص ثم اعيد له ربع القرص بعد معاناة رد على تعليق
زائر 6 | 3:43 ص الأنظمة الملكية هي الأكثر استقراراً رد على تعليق
زائر 8 | 7:49 ص من قديم الزمان فهمت ان الانسان العربي هو أقل كرامة واحترام بين الشعوب العالمية فليس العيب انك فقير عند الشعوب ولكن العيب عندنا انك فقير فتجد لا احترام ولك كلمة ودايما القوة الكبرى تنظر لنا ب الأغنام وهم من وضعوا لنا الراعي فلهذا تجد الأغنام هم انفسهم يختلفون مع بعضهم فمنهم من يقبل بالراعي بحجة أنه يعطيه كل خير والاخر رافض له بحجة انه يتمايز ويقسو عليه ، فلا أمل للصلح مادام الراعي لا يفكر بذلك رد على تعليق