سجون 5 نجوم ووجبات «ماكدونالدز»!
مشهد جميل لغرفة بها أربعة أسرة، ومفروشة بالسجاد الأحمر والجلسة العربية، الأسرة بها مراتب نظيفة مغطّاة بأغطية مزهرة، وسجين يلقي بجسده على ذلك السرير بابتسامة «عرمرمية».
هذا هو المشهد التمثيلي الذي نقله لنا تلفزيون العائلة العربية (البحرين) في العام 2008 عن وضع السجون وخصوصاً سجن جو، ليعكس لنا ذلك المشهد مدى التطور الكبير الذيي شهدته السجون في البحرين في المنظور الرسمي فقط.
ذلك المشهد عجز عن إقناع أحد بشأن حقيقة السجون في البحرين، تلك الحقيقة التي لم تستطع الصمود أمام لجنة تقصي الحقائق، ولا حتى وحدة التظلمات التي أعلنت في تقريرهاا السنوي الأول بشأن زيارة مركز الإصلاح والتأهيل بمنطقة جو في 25 سبتمبر/ أيلول 2013، عن وجود اكتظاظ في سجن جو، إذ إن الطاقة الاستيعابية للسجن 1201 سجين بينما السجن به 1608 سجناء بزيادة قدرها 407 سجناء.
الحديث عن السجون وخصوصاً سجن جو طويل ويحتاج إلى مساحات شاسعة لنقل صورة الوضع الحقيقي للمساجين هناك بواقعية، وخصوصاً بعد أحداث 2011، وما شهدته تلكك السجون من أحداث.
بعض النواب «المأدلجين» عملوا خلال الفترة الماضية على تزييف الواقع والحقائق، بل بلغ ببعضهم ممارسة حتى «الدجل الفكري» في الحديث عن أن سجناء «جو» مثلاً بإمكانهمم أن يطلبوا الوجبات السريعة من «ماكدونالدز» وغيرها، معتبراً أن السجن فندق، وأن النزيل يمكنه أن يطلب «المأكولات الراقية» مع توفر خدمة الأنترنت (واي فاي)!
مجلس النواب في جلسته الاستثنائية يوم الأربعاء (3 مايو/ أيار 2017) رفض الموافقة على اقتراح بقانون بتعديل بعض أحكام القانون رقم (18) لسنة 2014 بإصدار قانون مؤسسةة الإصلاح والتأهيل، والمتضمن إضافة فقرة ثانية في المادة (63) بتكليف لجنة من قضاة محكمة الاستئناف العليا للتفتيش على هذه المؤسسات وإجراءات تنفيذ العقوبات بها بحد أقصى مرتين سنوياً.
في الأصل فإن المقترح بقانون بإيجاد جهة عاشرة للتفتيش على السجون، أمر غير منطقي، فالبلد لا تحتاج لكل هذا الكم من الجهات المعنية بالتفتيش على السجون بقدر ما هي بحاجةة إلى فاعلية واستقلالية وحيادية في العملية حتى لو كانت من مؤسسة واحدة فقط.
مبررات رفض أحد النواب لذلك هو أن المقترح «انجراف مع ما تدعيه المنظمات الحقوقية المزيفة بتقاريرها ضد البحرين، وإن بعض الجهات التي زارت المؤسسات العقابية تجدد الخدمات المتوافرة كلها في مصاف فنادق 5 نجوم»!
لن نذهب بعيداً كثيراً، مؤخراً وفي (20 أبريل/ نسيان 2017) نشرت الصحف المحلية توجيه من القاضي إبراهيم الزايد وهو قاضي تنفيذ العقاب لتوجيه خطاب مقدم من محام إلىى المؤسسة العقابية طالباً السماح للنزيل بتلقي ملابس داخلية مناسبة ووجبات طعام من الخارج، طالباً من المؤسسة العقابية موافاته بما سيتم اتخاذه.
وكان محامي أحد نزلاء سجن جو تقدم بتظلم إلى القاضي بصفته قاضي تنفيذ العقاب، يشكو فيه من معاناة موكله المحكوم بالحبس سنتين مع النفاذ، وجاري استئنافه، بخصوص ضيقق الملابس والطعام الذي لا يكفية لكونه قليل.
المحامي أفاد خلال التظلم الذي قدمه للقاضي الزايد أن موكله بدين وإدارة السجن ترفض أن تسمح بإدخال ملابس داخلية إليه، وهو يعاني من الضيق الشديد للملابس الداخلية المتوفرةة له من إدارة السجن، والتي تسبب له آلاماً وتسلخات وهو يخشى من إصابته بالمرض نتيجة عدم تغيير هذه الملابس لفترات طويلة.
المحامي أضاف بالخطاب أن وجبات السجن التي تصرف لموكله صغيرة ولا تشعره بالشبع، وأن إدارة السجن ترفض إدخال طعام إليه من خارج السجن. وطلب المحامي من خلالل التظلم النظر في أمر موكله ووضع حد سريع لمعاناته.
هذا الرد كفيل بضرب «خزعبلات بعض النواب» من أن نزلاء سجن جو يعيشون في فنادق خمس نجوم، أو أنهم بإمكانهم طلب المأكولات من «ماكدونالدز»، فهناك سجين شكىى للقضاء «الجوع»!
وبما أن الجهات الرسمية تتهم من يتحدث عن قصور الرعاية الصحية في السجون بـ «الكذب والفبركات» والسعي لتشويه سمعة البحرين، فالأمانة العامة للتظلمات أشارت في تقريرهاا الأول لعام 2013 أن سجن جو يعاني من قصور واضح في ترتيبات وعمليات صيانة المرافق الموجودة في المكان، واكتظاظ في غالبية الزنازين، مع تفاوت في مدى ملاءمة درجات الحرارة الموجودة في الزنازين، وصعوبة في قدرة النزلاء على استدعاء الموظفين في الحالات الطارئة، وخلو بعض الزنازين من دورات مياه داخلها، وضعف بعض العنابر والزنازين فيما يخص مستوى النظافة فيها، وعدم وجود أسرّة كافية لكل النزلاء بسبب العدد الذي يفوق القدرة الاستيعابية للمكان.
كما تحدث التقرير عن صعوبة في تغيير أو تجديد الملابس الداخلية، حيث لا يُسمح بدخول ملابس جديدة للنزلاء إلا في حالات استثنائية، كما أن الملابس الموجودة في المتجر، والتيي يُسمح بالشراء منها لا تشمل جميع المقاسات ولا تتناسب مع كل الفئات، مع عدم وجود خزائن كافية لكل نزيل لحفظ متعلقاته الشخصية.
مع كل هذه الملاحظات، فإن الجهات المعنية وبعض النواب مازالوا مصرين على أن الرعاية في السجون وخصوصاً الرعاية الصحية عالية وراقية، وإن الخدمات المقدمة للسجناءء عبارة عن خدمات «خمس نجوم».
ما نريد أن نصل إليه، هو أن مشهد السجون مختلف جداً فلا يوجد منا من يعتقد بأن السجن سيكون نعيماً حتى لو كان قصراً، فالسجن سيبقى سجناً مقيداً لحرية الإنسان، ولكن تبقى لهذاا الإنسان أيضاً درجة من الحقوق والكرامة التي يجب أن لا يتم التعدي عليها.