كتابة ودراسة التجارب
قليل هو الاهتمام بكتابة وقراءة ودراسة التجارب في منطقتنا العربية سواء على الصعيد الفردي أو الاجتماعي، مع أنها تمثل ثروة معرفية ومصدراً مهماً لتجاوز الأخطاء ومعرفة أسباب النجاح ومكامنه. وعبر التجارب يمكن لأي مجتمع نقل خلاصات عمل من سبقوه، وبناء عمل تراكمي في مختلف المجالات بحيث يمكن إحداث التطوير والتقدم في المجتمع من خلال دراسة هذه التجارب.
ينظر الكثيرون في مجتمعاتنا إلى كتابة التجارب على أنها إما تمجيد للذات أو الجماعة، أو أنها جلد للذات عندما تحمل نقداً لتجربة معينة. ولهذا فإنه في الغالب لا تعطى هذه التجارب قيمتها من الفحص والقراءة والتأمل، وأخذ الدروس منها.
كما أن من أسباب قلة الكتابة الحذر من النظرة الاجتماعية والسياسية التي تحد في كثير من الأحيان من حرية التوثيق والتسجيل. فالكثير ممن يمتلكون رصيداً من التجارب الثرية يحذر من نظرة وتقييم المجتمع لتجربته، ويعتقد أنه قد يمس بعض المحظورات الاجتماعية أو أن نقده قد لا يرى القبول المناسب من قبل المجتمع.
إننا نرى أن مجتمعات متقدمة أخرى تهتم كثيراً بكتابة التجارب والسير للقادة والرواد، وحتى عموم أفراد المجتمع للتعريف بتوجهاتهم وآرائهم ونشاطهم، وبالتالي وضع كامل التجربة أمام عموم الناس لقراءتها والاستفادة منها. فهناك تجارب مكتوبة لأبرز السياسيين ورجال الأعمال والرياضيين، والإعلاميين ونفسانيين وحتى تجارب ممرضين في تعاملهم مع الحالات التي تمر عليهم.
وبالإضافة إلى ندرة ما يكتب من تجارب شخصية أو جماعية لدينا، فإن أغلب ما ينتج منها يأتي متأخراً جداً، بحيث تكون الفاصلة الزمنية سبباً في تحول هذا المنتج إلى مادة أرشيفية بدل أن تكون مرجعاً عملياً في حينها. كما يغيب عن كتابة التجارب الجانب الموضوعي الذي يعطيها قيمة وموثوقية وفائدة أكبر، ويجعلها مصدر إثراء وإضافة للمجتمع.
في مجتمعاتنا الكثير من التجارب المهمة التي مرت وتمر علينا سواء لأفراد أو جماعات خلقت تحولات معينة في المجتمع، على الصعيد الإداري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، لكن القليل منها مكتوب وموثق. ومن المؤكد أن دراستها ستهيئ فرصاً أفضل لأفراد المجتمع لتجاوز أخطاء معينة أو التمسك بنجاحات محددة، لإيجاد حالة تراكم معرفي ينمو مع تطور المجتمع ونموه، آخذاً بعين الاعتبار المتغيرات الزمانية والمكانية والظروف والتحولات المتغيرة.