العاطلون البحرينيون... ومعاناتهم القاسية
لن نتحدث عن المعاناة النفسية والمعنوية والاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها آلاف العاطلين البحرينيين، لأن الكل في البلد على دراية وافية بانعكاسات تلك المعاناة على واقع العاطلين، ولن نتحدث عن حجم الخسارة التي تلحق بالوطن في حال تعطيل الطاقات الشبابية البحرينية، لأنها لم تكن خافية على أحد في البلاد، ولن نقول للجهات المعنية بمستقبل البلد أن عدم استثمار مواردنا البشرية سينعكس سلباً على مستقبل الوطن في كل اتجاهاته، لأنها تعلم علماً يقينياً أن ذلك له تداعيات وخيمة على مستقبل البلد.
كل ما نريد قوله لديوان الخدمة المدنية في هذا المجال، يجب أن يكون الواقع متطابقاً تماماً مع قوله الذي يصرح به لوسائل الإعلام، بأن الأصل في التوظيف وفقاً لتشريعات الخدمة المدنية هو توظيف البحرينيين .ولن نناقشه في تصريحه الذي يقول فيه، يجب النظر إلى عملية توظيف غير البحرينيين كوسيلة لسد العجز في الكفاءات من المواطنين، إلى أن تتهيأ القدرات الوطنية لملء الفراغ والإحلال محل العمالة الوافدة تدريجياً، وذلك وفق خطة واضحة المعالم. ما نريد منه الإجابة على بعض الاستفسارات البسيطة: هل هناك خطة استراتيجية متكاملة فعلاً بهذا الخصوص أم لا؟ إذا كانت هناك خطة متى سنجد أثرها على أرض الواقع؟ وإذا لم توجد خطة لتأهيل البحرينيين حتى الآن، فكيف سيكون حال الوظائف الحكومية في المستقبل القريب؟
لسنا بحاجة أن نبيّن لديوان الخدمة المدنية الذي يعلم بخفايا ملف العاطلين البحرينيين، أن الملف آخذ في التوسع والتفاقم، وأنه بحاجة إلى حل ناجع وسريع، وأنه لا يحتمل التأجيل أو التسويف أو التجاهل أو التغافل، وليس لديوان الخدمة حاجة لنقول له إنه ليس للعاطلين الجامعيين البحرينيين وغير الجامعيين وطن يقدمون له خدماتهم غير وطنهم البحرين، لأنه أكثر جهة في البلد على إطلاع تام بهذه المسألة، ولا يحتاج أن نقول له أن تأمين الأعمال المناسبة لتخصصاتهم ضرورة ملحة، فهم لم يدرسوا ويتخرجوا من الجامعات من أجل أن يجلسوا في بيوتهم، أو يبقوا عاطلين ويحصلون على مبلغ زهيد من مشروع التأمين ضد التعطل الذي لا يسمن ولا يغني عن جوع. فماذا يفعل العاطل الجامعي في هذا الزمان الذي لا يرحم بمبلغ شهري لا يتجاوز الـ 150 ديناراً، أو 120 ديناراً للعاطل غير الجامعي؟ وهل ديوان الخدمة المدنية بحاجة أن نقول له إن العاطلين لم يسهروا الليالي ولم يبذلوا الجهود الكبيرة طوال دراستهم الجامعية إلا من أجل أن يثبتوا لوطنهم أنهم قادرون على تحمل المسئولية في مختلف المجالات والتخصصات .
في اعتقادنا أنه ليس بحاجة إلى ذلك كله، لأننا نجزم أنه على علم ودراية كاملة بمستوى قدراتهم وحجم إمكاناتهم الأكاديمية والمهنية، إذا ما سلمنا بأن ديوان الخدمة المدنية الذي يؤكد أن توظيفه للأجانب بسبب عدم توفر التخصصات المطلوبة لدى العاطلين البحرينيين، هل هذا الحال غير المقبول بكل الموازين العقلية والمنطقية الذي يتحدث عنه يتحمله العاطل أم الجهات الرسمية المعنية بتوفير الموارد البشرية اللازمة في مختلف التخصصات التي يحتاجها الوطن؟ نقولها بكل صراحة: لو كانت الجهة المعنية بهذه المهمة الأساسية قامت بهذا الواجب الوطني لما وجدنا بحرينياً واحداً يبقى أكثر من عشر سنوات بلا عمل، وكل ذلك يحدث بسبب افتقاد تلك الجهة تصوراً واضحاً للوظائف والمهن التي يحتاجها الوطن في المستقبل القريب والبعيد. فلو كان لديها تصور حقيقي لما وجدنا ديوان الخدمة هذه الأيام يشكو من عدم توفر التخصصات المطلوبة في مختلف المجالات العلمية والعملية .
من غير المعقول أن بلداً صغيراً في مساحته الجغرافية ومحدودية في عدد مواطنيه الذي لا يتجاوز 700 ألف نسمة، أن يوجد فيه أكثر من 8450 عاطلاً؛ وليس معقولاً أن تترك الجهات المعنية في البلاد ملف العاطلين يتفاقم ويكبر وتتسع تداعياته النفسية والمعنوية والمادية والاجتماعية أكثر مما هو عليه الآن، وليس معقولاً أن نجعل العاطل البحريني في كل شهر يذهب إلى وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، مع وجود الحكومة الإلكترونية، لكي يثبت لها أنه مازال عاطلاً، ومايزال يعيش في بؤس وشقاء، وأنه مجد في طلب العمل، وفوق كل هذا وذاك تتوقف الوزارة عن دفع المبلغ الزهيد (التأمين ضد التعطل) بعد ستة أشهر من المعاناة، وتقول له إذا ما أردت المواصلة في دفع مبلغ التأمين ضد التعطل عليك تجديد طلبك، وبعد تجديد طلبك تستأنف الوزارة في دفعه إليك بعد ثلاثة أشهر من تقديم الطلب.
لن نتحدث عن نوع المعاملة التي يلاقيها العاطل عن العمل عند مراجعته للوزارة، لأن الوزارة هي أعلم من غيرها بنوعها، والجهات المعنية بتأمين العمل لكل مواطن تعلم علماً أكيداً أن حل مشكلة البطالة ليس صعباً وليس مستحيلاً، إذا ما وجدت الإرادة الحقيقية لحلها وإنهاء معاناة آلاف العاطلين البحرينيين، والاستفادة من هذه الطاقات البشرية البحرينية.
إن لدينا ثقة لا يداخلها الشك، أن باستطاعتها العمل لتحقيق هذا المطلب البسيط جداً. ننتظر منها أن تقوم بخطوات عملية للاستفادة بصورة كاملة من كل العاطلين البحرينيين في مختلف المجالات.