العدد 5351 بتاريخ 01-05-2017م تسجيل الدخول


الرئيسيةالأعمدة
شارك:


هكذا تُزرع بذور الكراهية في مُجتمعاتنا العربية والإسلامية

من بين سيل الفيديوهات السياسية المتداولة التي تزخر بها وسائل التواصل الاجتماعي يومياً بغثها وسمينها، شاهدت منذ شهور قليلة بالمصادفة وفي وقت واحد تقريباً فيديوهين مستقلين ومتناقضين؛ لكنهما يتعلقان بموضوع واحد ألا هو الكراهية كمرض اجتماعي عنصري، وهما على درجة من الأهمية في دلالاتهما، للتعرف علمياً على كيفية نشوء أفكار الكراهية وأسبابها، كما جاء به مضمون الفيديو الأول وتمظهرها أو تحولها إلى ظاهرة مُقيتة صارخة كما جاءت في الفيديو الثاني.

الفيديو الأول عبارة عن مقطع حواري أجرته قناة «الجزيرة - أميركا» الإنجليزية التابعة لشبكة الجزيرة القطرية مع إحدى الناشطات الأميركيات في مكافحة التمييز والعنصرية عن أسباب نشوء الكراهية والعنصرية بين البشر الذين وُلدوا متساويين، وكانت إجابتها دقيقة مركزة وجاءت في عبارات مختصرة جزلة على النحو التالي: «نحن نكره لأنهم علمونا أن نكره، نحن نكره لأننا جهلاء، نحن نحتاج تعليم أناس علموهم فكرة جاهلة، بأن الناس ينحدرون من أربعة أو خمسة أعراق من البشر، مع أنه لا توجد لا أربعة ولا خمسة أعراق للبشر، جميع الموجودين على الأرض ينحدرون من عرق واحد، وكلنا ننتمي إليه وننحدر منه وهو الجنس البشري، وروّاد كراهية المساواة هم من صوروا أنفسهم بأنهم أسمى من الآخرين، وهذا التفكير لم ينجح، وجلب العار والمشاكل على الجميع، وحان الوقت لتجاوز تلك الأفكار والمشاكل، فجيناتنا ليست مسئولة عن العنصرية ولا الكراهية الدينية، فأنت لا تولد حاقداً على أناس ينتمون لدين غير دينك؛ بل هذا يحشونه في دماغك، وحان الوقت لتطهير أدمغتنا من هذه الكراهية العنصرية الدينية بأقصى سرعة ممكنة، وأنا كمعلمة يجدر بي أن أناضل لتخليص الناس من هذا الجهل، الجهل الذي يشعرك أنك أفضل من شخص ما أو أنك أدنى منه، إن لون البشرة لا علاقة له بمعتقدات الإنسان ولا قيمته».

أما الفيديو الثاني الذي جاء بالمصادفة، وكأنه ترجمة لواقع الكراهية البغيض الذي تحدثت عنه الناشطة الأميركية، وحللت منشأه وجذوره الفكرية والدينية، ونذرت نفسها لمحاربته فهو عبارة عن مسيرة لمتشددين إسلاميين من الرجال المُلتحين، والنساء المُنقبات آوتهم بريطانيا بموجب القوانين والأعراف الحقوقية الإنسانية المطبقة على أراضيها، وهم يهتفون بأعلى أصواتهم بعصبية «الشرطة البريطانية إلى جهنم... اللهُ أكبر... المملكة المُتحدة إلى النار... لا إله إلا الله محمد رسول الله... ارفعوا أيديكم عن المُسلمين» وبحسب تعليق سيدة بريطانية تابعت المسيرة، فإنها جاءت كردة فعل غاضبة على اعتقال امرأة مُقيمة في بريطانيا على خلفية تورط زوجها في عملية إرهابية بوضع قنبلة في ستوكهولم في مكان عام سنة 2010، وبدت السيدة البريطانية مستاءة جداً لضجيج المسيرة الهادر، الذي يُغطي فضاء مدينتها «تيلين» وتشعر بالإهانة البالغة لما تعتبره هتافات استفزازية غير معقولة بلعن وشتم وطنها، الذي آواهم واستضافهم، وكفل لهم كل حقوق الإقامة الإنسانية وحتى السياسية.

تؤمن السيدة البريطانية التي تتابع مسيرتهم عن كثب، كما جاء في تعليقها، بحق الجميع على أراضي وطنها بالتظاهر، لكن ليس بهذه الصورة الاستفزازية الجاحدة والحاقدة على مواطنيها وحكومتها على حد تعبيرها، وتحاول محاورة بعضهم بالتي هي أحسن، عن بئس ما يفعلون دون جدوى، وتستوقف إحدى المنقبات في المسيرة فترد عليها: «الشرطة البريطانية مأواها جهنم التي ستحرقها» وتعتبر مُحدثتها البريطانية عارية كافرة لمجرد ظهورها بسفور أوروبي معتدل، وترد الأوروبية مذهولة لماذا تحكمين عليّ من ملابسي أنا لستُ عارية، وأنا لم أحكم عليكِ من ملابسكِ، وأنتِ ترتدين النقاب، فتطلب منها المنقبة أن ترتدي «لباساً مُحتشماً» وألا تحاول إغواءها، وأن تنصرف في الحال، وترد البريطانية لكِ كل الحق أن ترتدين ما تشائين، ولي الحق كذلك. ويتدخل أحد المتشددين ليطلب منها الانصراف فوراً، فترد هذه مدينتي ولا أحد يحق له منعي حيث أسير، ثم يهددها أحدهم من تماديها بمحاولة محاورتهم وهي متبرجة، وعبثاً تحاول أن تجري حوارات ودية، وتذكّر أحدهم بمبادئ الإسلام التي تنص على احترام الأراضي التي يعيشون عليها، فيرد عليها آخر «إذا لم تطبق دولتكم القوانين الإسلامية فستذهبون إلى النار بموجب الآية: «يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين» فإما أن تكونوا مُسلمين أو ستذهبون جميعكم إلى جهنم وأنتِ ستحترقين بنار جهنم!

بيد أن هذا التمظهر الصارخ المقيت لكراهية الآخرين تبعاً لمعتقداتهم كما جسدته تلك المسيرة المؤسفة لمجموعة من المتشددين، وإن كان يسيء بهذا القدر أو ذاك لصورة المسلمين وسمعتهم، إلا أنه ليس أسوأ من التمظهرات والظواهر الفعلية بين المسلمين أنفسهم، أو بينهم وبين شركائهم في المواطنة في الوطن الواحد من غير المسلمين، فجذور الكراهية ومنابتها وأسبابها التي تحدثت عنها الناشطة البريطانية واحدة، وكذلك دوافعها السياسية والطبقية لتفتيت الشعوب وإلهاء المهمشين، والمُستغَلين منهم على وجه الخصوص، بصراعات الكراهيات العرقية والدينية والطائفية بما يخدم الأنظمة والطبقات المستفيدة منها.



أضف تعليق



التعليقات 6
زائر 1 | 12:33 ص صحيح كلامك.
ونفس هذا حدث لنا في البحرين عندما نصحناهم بعدم الخروج في التظاهرة ضد قانون المرأة الموحد المقترح في ذلك الحين.
ولكننا كنا مثلك نؤذن في خرابة. رد على تعليق
زائر 2 | 12:58 ص واي علاقة بين تعليقك و المقال
تعليقك في واد و االمقال في واد اخر ياهذا
زائر 6 | 2:56 ص للاسف يدعون العلمانية و لكنهم يخافون من رجال الدين
زائر 4 | 1:56 ص مقال جميل استمتعت و استفدت من قراءته شكرا للكاتب رد على تعليق
زائر 9 | 1:01 م هؤلاء الإسلامويين الدمويين موجودين يا أستاذي في كل مكان، هؤلاء وباء يتغلغل في المجتمع ومؤسسات الدولة. رد على تعليق
زائر 10 | 1:13 م شكراً للكاتب..
مصطلحات تمييزية وتستخدم حتى كشتائم دون أن يفهم معناها مثل متبرجة وسافرة ومحجبة وغير محجبة ووو يجب أن تمنع ويعاقب عليها القانون ولا ننسى كذلك قذف النساء فالخطأ لا يبرر خطأك ولقد نهانا القرآن الكريم عن ذلك. هناك جزء من مجتمعنا لا يختلف كثيراً هؤلاء التكفيريين. رد على تعليق