«شباب الثانوية»... سنة وشيعة
يسعى كثيرون، لإشاعة حالة الاحتقان بين الناس، ويروج الكثير من الموتورين عبر مواقع التواصل الاجتماعي لروح الفرقة بين أبناء مجتمعنا. ولا يختلف اثنان على أن ما مررنا به من أزمة سياسية طوال السنوات الست الماضي خلق نوعاً من أنواع الشرخ الاجتماعي.
وزير الخارجية البحريني تحدث في كلمة ارتجالية، قيل أنها «من القلب إلى القلب»، بلا رسميات ولا حواجز، حازت بعدها على تصفيق وترحيب حار، وجه فيها إلى الشباب والشابات، الحضور في ملتقى القيادة الأول الذي نظمته مؤسسة المبرة الخليفية السبت (22 أبريل/ نيسان 2017)، دعوة إلى نبذ الفرقة والخلافات في المجتمع البحريني، والتعامل على أساس مبدأ واحد هو أننا جميعاً إخوة لا يميزنا ولا يفرقنا أي شيء.
ما انطلق منه وزير الخارجية، شبيه جداً بمرحلة عشتها في حياتي ومازالت قائمة حتى الآن، عندما تحدث الوزير أنه شخصياً «درس في المدارس الحكومية حتى المرحلة الثانوية، بدءاً من الرفاع وحتى مدرسة مدينة عيسى الثانوية للبنين، وهي المدرسة التي جمعت كل أبناء المدن والقرى والمناطق في البحرين آنذاك، بدءاً من مدينة عيسى ومروراً بقرى توبلي وسترة وجو والدور وعالي وبوري ومناطق الساحل الغربي دمستان وكرزكان وغيرها. واجتمعنا كلنا في صف واحد، إخوة متماسكين لا توجد بيننا أي فوارق متمسكين بحبل الأخوة والوطن الواحد».
هذه ذات التجربة التي عشتها شخصياً، كونها انطلقت فعلياً من المرحلة الثانوية وفي المدرسة ذاتها «مدينة عيسى الثانوية للبنين»، كانت بداية التشابك والارتباط مع الآخرين بشكل فعلي وحقيقي، كانت بداية فهمي لتركيبة المجتمع البحريني بكل تلاوينه وتركيباته.
في تلك المرحلة، لم يسأل أحد عن مذهب الآخر، أو ديانته، أو انتماءاته، نتنقل بين الصفوف جميعاً، ونخرج في الرحلات الشبابية جميعاً، وكان من بيننا أيضاً الفنان منصور صنقيمه كشخصية لم تكن بارزة بعد في ذلك الوقت؛ ولكنها كانت تتمتع بذات النفسية والروح المرحة.
بالنسبة للكثيرين فتلك المرحلة انتهت بعد سنوات طويلة والدخول في معترك الحياة، والانشغالات اليومية، بالنسبة لنا تلك المرحلة لم تنته في ظل هذا الوضع الاستثنائي الذي نعيشه، إذ إن هناك من تحرك ليعيد تلك «اللمة» والجمعة.
نعم عدنا من جديد «شباب الثانوية» في مجموعة خاصة بكل ألوانهم وأشكالهم وانتماءاتهم وتوجهاتهم ووظائفهم، نجتمع ونلتقي ونتحدث ونتبادل الذكريات الجميلة دون النظر لما كنا عليها، وما وصلنا إليه، بوصلتنا واحدة أننا أخوة في وطن واحد، مهما اختلفنا.
نختلف فكرياً، سياسياً، عقائدياً وغيرها، نتفق على أمر واحد وهو أننا أصدقاء جمعتنا مرحلة من أجمل مراحل عمرنا، قاسمنا مشترك، فلذلك كوننا لا نتفق في أمور كثيرة، فقد وضعنا لأنفسنا خطاً عريضاً وهو أن الاختلاف بيننا لن يفسد لودنا قضية.
نعم عشنا سنوات لن يفرقنا شيء، وسنعيش، لأنه كما قال وزير الخارجية «أساسنا قوي»، مهما حاول البعض صنع الكراهية، واستغلال الأوضاع لضرب فئة أو التحريض عليها أو كراهيتها، أو الاستحواذ على مكتسباتها وغيرها.
البعض راجع نفسه وأعاد النظر فيما قاله، وتراجع عن الحديث عن أن الأزمة في البحرين «طائفية»، وأدرك أن ذلك الحديث لعب بالنار وخطير ومدمر للجميع بلا استثناء.
والبعض مازال يلعب بذات النار، لأنها الفرصة الوحيدة له ليزيد من منافعه ومكتسباته الشخصية وغلته حتى لو تدمر الوطن بأكمله، ولذلك يعمل على تأجيج تلك النار بين الحين والآخر، وهو ذاته من روج لإنشاء حتى سوق خضراوات «لهم» وغيرها، وهو من كشف عن استغلالهم لضرب الآخر، وللحفاظ على مكاسب «هم» فقط، وهو من كان يروج دوماً لفكرة الخلاف الطائفي، والذي لم يكن موجوداً إلا في مخيلتهم.
متمسكين بحبال الأخوة، ونطالب بحق الجميع في حياة كريمة، فلا فرق لأحد على أحد في كل شيء، ولذلك تطالب فئة كبيرة في هذا الوطن بأن يكون الإنسان البحريني في توبلي وسترة وجو والدور والرفاع والمحرق وعالي وبوري ودمستان والبسيتين وكرزكان والجسرة والبديع والزلاق، وفي كل مكان متساوين في الحقوق والواجبات في كل شيء، لتعود المياه لمجاريها وأفضل من السابق، ولتعود «اللمة» من جديد بلا منغصات، وبلا مثيرين للفتن ومستغلين لها، ومستنفعين منها. نعم سنعود من جديد كما كنا، وكما عادت «لمة» شباب الثانوية.