قبل أن تنفجر الشوارع ضجراً
يتزايد عدد السيارات يومياً وتعجز الشوارع عن مواكبة هذا التزايد المتسارع فتغصّ، ويختنق في سياراتهم السوّاق ضجراً، ويتأخر الطلاب عن مدارسهم، ويتأخّر الموظفون عن أعمالهم. يقدّمون أوقات استيقاظهم ويقدّمون ساعاتهم عدة دقائق علّها توفّر لهم بعض الطمأنينة الوهمية بعدم وصولهم إلى مقاصدهم متأخرين.
لا شيء يدل على أن هذا الوضع سيكون مؤقتاً بأي شكل من الأشكال. بل هو وضع مرشح للتفاقم في ظل المعطيات المنظورة على الأقل. فعدد السيارات، بحسب أرقام الإدارة العامة للمرور، بلغ أكثر من 544 ألف سيارة في فبراير/ شباط الماضي، وبحسب الإدارة أيضاً فإن عدد السيارات يزيد بمعدل 114 سيارة جديدة يومياً، أي ما يزيد عن 41 ألف سيارة سنوياً. وهذا رقم مخيف في ظل الضائقة المالية التي تضرب دول المنطقة، بسبب تراجع أسعار النفط وعدم الاستعداد بالقدر الكافي لهذا الظرف الجديد، الأمر الذي ألقى بظلاله على موازنات الإنفاق، وقد يطال المخصص منها للطرق.
ليست الاختناقات في الشوارع، والتأخير، وتأثيره على وقت أصحاب السيارات الذي يهدر على الشوارع، والأعطاب المزاجية التي تصيبهم بسبب هذا التأخير، وليس الفاقد في الإنتاجية على كل الأصعدة، الوظيفية والحياتية الشخصية بسبب هذا المزاج وبسبب التأخير الذي يعرقل الوصول إلى الأماكن ما بين أي نقطة وأخرى في البحرين، ليس ذلك هو كل شيء. فالتلوث من جرّاء العادم الذي تنفثه السيارات طيلة اليوم سيتزايد وسيُلقي بثقله على البيئة وعلى الناس، وفي الوقت الذي يتجه العالم لخفض العادم من السيارات بخفض عدد السيارات التي تتنقل على شوارعها، تتزايد السيارات على شوارعنا وتختلّ نسبة أطوال الشوارع لكل سيارة لتزيد عدد السيارات لذات الطول من الشارع تدريجياً.
يؤكّد على ذلك الزيادة الكبيرة في عدد السيارات خلال الفترة من 2003 عندما كان العدد نحو 273 ألف سيارة، وارتفع بنسبة 111 في المئة إلى نحو 577 ألف سيارة في 2015، فيما زاد طول شبكة الشوارع للفترة نفسها بنحو 44 في المئة، من 2645 كم في 2003 (مقال سابق، «الوسط»، 9 أكتوبر 2016) إلى 3800 كم في 2015 بحسب مصدر رسمي. وبذلك أصبحت نسبة عدد السيارات هي 151 سيارة لكل كم في 2015، مقارنةً بـ 97 سيارة لكل كم في 2003.
حديثاً، وصلني مقطع فيديو صادر عن الملتقى الاقتصادي العالمي، يذكر جهود عواصم أوروبية في مكافحة التلوّث الناتج عن عوادم السيارات. لا أدري مدى دقته، ولكنه لا يبدو بعيداً عن الحلول التي تضع هذه الدول العمل على الوصول إليها، في أولوياتها لمحاصرة التلوث ضمن المعدلات المقبولة صحياً وبيئياً دولياً.
من هذه العواصم أوسلو التي تفكّر في منع السيارات نهائياً بحلول العام 2019، وباريس وبروكسل اللتان تطبقان «الأحد الخالي من السيارات»؛ ولندن التي تخطط لمنع سيارات الديزل من السير في شوارعها مع حلول 2020، ومدريد التي تخطط للعام نفسه أن تمنع السيارات من استخدام 24 شارعاً مزدحماً. وفي هامبورغ يتم التخطيط لتطوير «سيارة خضراء» لتغطي 40 في المئة من المناطق العمرانية، فيما كوبنهاغن (العاصمة الخضراء) تخطط لتطوير شبكة مساحتها 500 كيلومتر لاستخدام السيارات.
هذه الدول ستمنع استخدام السيارات لتقدّم حلولاً لا تتوقف معها حياة مواطنيها، فهناك دائماً أنظمة النقل العام المنضبطة التي يعتمد عليها في الوصول في موعدها تماماً، ما يسمح للطلبة والموظفين باستخدامها، كما تخصّص شوارع جانبية للدراجات تنظمها إشارات وقوانين مرورية خاصة. هذه الحلول غير قابلة للتبني في دولنا بسبب عدم توفّر شبكة المواصلات العامة التي تُغنِي عن السيارة الخاصة. وللسبب نفسه، لن تجدي حلول منع شريحة من السكان من السواقة، أو تحديد عمر معيّن لإلغاء السيارات، فإلغاء السيارة، ما لم يكن لأسباب بيئية حقيقة، لن يكون حلاً، سوى أنه يضع عبء شراء سيارة جديدة على السوّاق، وستتواصل الزحمة وبتلوث أقل قليلاً لحداثة عمر السيارة، سيستمر العادم يُنفث في الأجواء.
نتمنى أن يجتمع أصحاب القرار من أعلى المستويات، ممن تُسلَّك، عند مرور مركباتهم، الشوارع، ومن مهندسي الطرق ومهندسي مستخدميها من السكان، وباحثي علوم النفس واختصاصي البيئة والاقتصاديين والماليين ويتنقلوا في مركبة واحدة في شوارع البحرين في أوقات الذروة لعدة أيام، كي يعيشوا واقع المعاناة التي تنذر بوضع مربك، ومتعدد الأضرار قد يصعب السيطرة على نتائجه، ليكون الحل حقيقياً، ناجعاً وطويل المدى وليس «بانادول» يوقف المعاناة مؤقتاً ولا يشفى منها. ربما احتاجوا للتفكير «خارج الصندوق»، فالمهم أن تكون الحلول مفصّلة على أوضاعنا وشوارعنا وأفرادنا.
في مطلع مارس/ آذار الماضي، قالت وزارة الأشغال في جلسة مجلس الشورى أن هناك 11 مشروعاً أمر سمو ولي العهد بتنفيذها، من شأنها أن تخفّف أو تقضي على الازدحام. ليس معروفاً ما هي هذه المشاريع، لكن الأهم في الأمر هو أن الوزارة ذكرت أن تنفيذها لن يستغرق أكثر من 6 شهور. أي أن موعدنا مع انفراج الزحمة المرورية هو نهاية أغسطس/ آب المقبل. فلننتظر ونرى.