خواطر وتساؤلات بشأن الأرقام المُميزة
على امتداد عقد ونيف تقريباً منذ الاستقلال في مطلع سبعينيات القرن الماضي ظلت أرقام المركبات الخاصة تخلو غالباً من النمرات المتميزة، ولا يحصل عليها إلا من ابتسم له الحظ بحسب دوره في تسلسل سجل أرقام اللوحات الخاصة بإدارة المرور، ولربما منذ فترة أواسط الثمانينيات، إن صح تقديرنا، والمتزامنة مع الطفرة النفطية وما أفرزته من تغير قيمي في المسلكيات الاجتماعية الاستهلاكية، بدت فئات أو مجاميع من الأفراد يستهويها اقتناء الأرقام المُميزة لسياراتهم الخاصة، ولعله منذ مطلع التسعينيات ازداد الإقبال على هذه الهواية بصورة هوسية، حتى بات اقتناء «النمرة « المُميزة لمن يدفع أكثر أمراً مألوفاً شائعاً، أياً كان سبيله للوصول إليها وبغض النظر عن نمرته التي تخلى عنها في تسلسل الأرقام (السيريل) فيما إذا كانت «معفوسة» أو حتى كانت «متناسقة» ويتطلع إلى جديدة أكثر تناسقاً وأكثر جاذبيةً برونقها الفتّان، وهي تسير في غنجٍ ودلال في الشوارع، حتى بات مألوفاً لسحر النمرة المتناسقة الذي لا يقاوم، أن نسمع من يستدين لشرائها ويقدمها على أولويات معيشية أهم.
بيد أن تلك الظاهرة لم تثر حينها أصداءً وردود فعل متفاوتة واسعة النطاق في صفوف الناس، كالتي أثارته منذ أن أعلنت الإدارة العامة للمرور خلال الشهر الجاري عن تقنين عملية الشراء وفق مزاد علني تُطرح فيه الأرقام المميزة، ليكون البيع فيه متاحاً لمن يدفع أكثر، ولو كان ببضع ملايين من الدنانير، وليدر بالتالي بحصيلة لا بأس بها تسند المال العام.
أما في حقبة ما قبل الاستقلال، فإن الأرقام واللوحات المميزة فقد صدرت تشريعات تنظمها، منها على سبيل المثال ما جاءت به حرفياً الفقرة الفرعية (2) من الفقرة (20) تحت بند القسم الثالث - ترخيص وتسجيل السيارات من لائحة السير والمرور للبحرين للعام 1955 بأن «لوحات الهوية وأرقام التسجيل تكون بالألوان التالية: - عربات آل خليفة والعربات الحكومية: أرقام بيضاء على رقعة حمراء. العربات الخاصة (الشخصية الأخرى: أرقام سوداء على رقعة بيضاء». - انتهى الاقتباس -.
على أن جملة من الخواطر والتساؤلات تفرض نفسها فيما يتعلق بمزاد بيع السيارات الخاصة، وهي تساؤلات تبتغي إزالة ما قد يلتبس في أذهان العامة، ويزيل الغموض ومن ثَمّ فإنها لا تروم إلا إلى إجابات منتظرة من قِبل الجهة الرسمية المعنية بالأمر لتضع من خلالها النقاط على الحروف:
1 - هل هناك في سجلات المرور نظام مُحدد لتسلسل رقمي موحد لجميع أصحاب السيارات الخاصة؟ وإذا وُجد مثل هذا التسلسل هل ُيحق لصاحب الرقم المميّز الذي حصل عليه مصادفةً بحسب دوره في التسلسل أن يتظلّم من سحب رقمه من التسلسل ووضعه في المزاد؟ وهل هناك نظام لمزادات الأرقام الممُيزة متبع دولياً ومطبق في دول العالم وخاصة في الدول المتقدمة الأسبق منا في تطبيق الأنظمة المرورية وإيراداتها، أم نحن سبقنا دول العالم في هذا المضمار من سُبل دعم الموازنات العامة؟
2 - مادام اقتناء النمرات المميزة للسيارات ظهر بالنظر لأرقامها المكررة الفاتنة الجمال فهل يمكن تعميم الفكرة مثلاً على أرقام البيوت والبطاقات الشخصية في العمل والنوادي والمؤسسات الترفيهية وخلافها إسوةً بأرقام التليفونات؟
3 - بالنظر إلى ما يكتسبه صاحب النمرة المميزة من ميزة لافتة لسيارته، وهي تسير مُختالةً في الشوارع بين سيارات ذات أرقام عشوائية دميمة غير متناسقة، فإلى أي حد يمكن تبديد الهمز واللمز بأن تميز نمرته لا يكسبه حصانة أو استثناء في تطبيق القوانين والتشريعات المرورية أو حتى خلافها باعتبار المواطنين والمقيمين سواسية أمام القانون طبقاً للمادتين (4) و (18) من دستور مملكتنا الحبيبة؟
لفترة غير قصيرة أعترف بأنه لم يخطر على بالي بأن من أسباب فرض زي موّحد في مدارس البنات وهو عُرف مُطبّق عالمياً، وتم تعميمه محلياً على مدارس البنين، هو إزالة مظاهر الفروقات الطبقية الصارخة بين طبقات الطلبة التي تظهرها على وجه الخصوص فساتين الطالبات الفاخرة بما يخلق جواً وروحاً من الألفة والتآخي فيما بينهن. وإذ لا يحضرني في هذه اللحظة أي من الحِكم والأمثال والمقولات المأثورة التي تحض ذوي الطبقات الميسورة أو حتى «الفاحشة الثراء» - على حد تعبير بعض الاقتصاديين - على تجنب الظهور بمظاهر علنية من ثرائها وتباهيها به سواء من خلال الولائم الفاخرة أو الأزياء الباهرة في موضاتها وماركاتها أو أي سلع كمالية لما تسببه مثل هذه المظاهر إذا ما اُفرط فيها علنياً (وخاصة في أزمنة الضنك) من استفزاز مكتوم لمشاعر الفقراء والمحرومين والمهمشين وذوي الدخل المحدود، الذين يشكلون السواد الأعظم من شعوبهم، وهم يرون ذلك أمام أبصارهم، فإلى أي مدى يصح التساؤل عما إذا كان توالي إعلانات الأرقام المميزة الفائزة بالملايين أو مئات الألوف من الدنانير يندرج ضمن هذا «الاستفزاز» وخاصة في ظل الظروف الراهنة التي نمر بها من التقشف، وتوالي الضرائب على اختلاف أنواعها، وارتفاع الأسعار مع ثبات الأجور على حالها منذ سنوات بعيدة؟