العدد 5342 بتاريخ 22-04-2017م تسجيل الدخول


الرئيسيةالأعمدة
شارك:


الاستقلال الاقتصادي

قاعدة أساسية في التنمية المستدامة «الاستقلال السياسي شرط أساسي للاستقلال الاقتصادي». فعندما يكون لدولة ما نظام سياسي مستقل ورؤية وطنية مستقلة، ستسعى هذه الدولة لتنمية قدراتها المالية وتسخير مواردها وإمكاناتها لضمان تحقيق أهدافها الوطنية بالشكل الذي يخدم مصالحها وأهدافها الإستراتيجية. إن تحقيق أكبر قدر ممكن من الاستقلال الاقتصادي والسياسي يبقى أهم الأهداف الاستراتيجية لكل دول العالم.

يعرف القانونيون الاستقلال السياسي (Polity Independence) بأنه «حق الدولة في أن تمارس بنفسها مجموع صلاحياتها الداخلية والخارجية بدون تبعية لدولة أخرى أو لسلطة دُولية مع وجوب مراعاة القانون الدُولي واحترام التزاماتها الاتفاقية». ويعرف الدكتور بدوي الاستقلال السياسي، بأنه ينطوي على تمتّع الدولة بالسيادة، أي ما لها من سلطان تواجه به الأفراد داخل إقليمها وتواجه به الدول الأخرى في الخارج. ويعتبر استقلال الدولة سياسياً شرطاً ضرورياً للاعتراف بشرعيتها.

ويعرف رجال الاقتصاد الاستقلال الاقتصادي بأنه حالة يستطيع فيها الشعب من الوقوف على قدميه اقتصادياً من دون مساعدة الآخرين. وهذا لا يعني البتة الاكتفاء الذاتي في كل شيء أو عدم حاجة هذا البلد إلى التعامل مع الدول الأخرى. فليس هناك دولة في العالم تستطيع أن تعيش منعزلة عن العالم ولديها اكتفاء ذاتي في كل احتياجاتها. الولايات المتحدة الأميركية، وهي أكبر اقتصاد في العالم، تستورد سلعاً وخدمات وموارد من بقية دول لعالم، بل لديها عجز تجاري مقداره 502.2 مليار دولار العام 2016، ما يعني أنها تستورد أكثر مما تصدر. وكذلك الاتحاد الأوروبي واليابان والصين.

التعامل التجاري مع الدول الأخرى وارتفاع حجمه ليس دليل ضعف أبداً، ولا يعني فشلاً في السياسة الاقتصادية؛ بل يعني ارتفاعاً في النشاط الاقتصادي، ولكن عندما لا تستطيع الدولة توفير وتأمين الاحتياجات الأساسية من سلع وخدمات من خلال الإنتاج المحلي، وليس لها وزن في المعادلات التجارية في العالم، تكون هذه الدولة فاقدةً لأبسط أنواع الاستقلال الاقتصادي، وتعتبر من الدول الضعيفة اقتصادياً ولا حول لها ولا قوة. ويمكن إقصاء مثل هذا البلد ومحاصرته، وأن تُملى عليه شروط وقوانين وسياسات، وإلزامه بتغيير سياساته واستراتجياته الوطنية ورؤيته المستقبلية التي قد لا تتوافق مع سياسات ورؤية الدول المهيمنة عليه، فيبقى تحت رحمة ونفوذ تلك البلدان، ولا يسمح له بالتحرر من التبعية، حيث ينمو اقتصادياً في فلك تلك الدول المهيمنة. وهذا النمو قد يسمح له بالعيش بهيكل اقتصادي ضعيف، وبحلولٍ مؤقتة لمجمل قضاياه الاستراتيجية، فيبقى تابعاً وليس مستقلاً، فقيراً وتحت نفوذ ورحمة الدولة المهيمنة.

إنه ولتحقيق أكبر قدر ممكن من الاستقلال الاقتصادي، ينبغي أولاً أن ينال البلد الاستقلال السياسي الفعلي وليس استقلالاً شكلياً، فيكون له نظام سياسي مستقل وحكومة مستقلة تماماً عن هيمنة أي من الدول الأخرى، كما ينبغي أن تعمل الدولة على تنمية قدراتها الذاتية البشرية والمالية، وتحقيق الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة.

عالمنا العربي، وعلى رغم وفرة الموارد الطبيعية والبشرية الهائلة والمساحة الجغرافية الواسعة مقارنةً بكثير من البلدان الصناعية، إلا أنه يفتقر إلى الاستقلال السياسي الذي يمكنه من العيش بدرجة عالية من الاستقلال الاقتصادي. فكثير من الدول العربية لا تتمتع بدرجة عالية من الاستقلال السياسي، حيث لا يزال البعض منها خاضعاً لهيمنة دول أخرى حتى وإن كانت اقتصادياتها بها رونق ظاهري، فهي هشة من الداخل، والقطاعات الإنتاجية ضعيفة ليس لها قدرات إنتاجية عالية. وهذا قد يكون شكلاً من أشكال الاستعمار الجديد الذي لا يعتمد على الهيمنة السياسية أو العسكرية المباشرة وإنما يقوم على الهيمنة الاقتصادية والاجتماعية. فمثل هذه الدول تفتقر إلى القدرات الذاتية ولا يمكنها العيش بعيدةً عن البلدان المهيمنة عليها، وغالباً ما تكون مرتبطة باتفاقات ثنائية غير متكافئة، ما يعني أن أية عقوبة اقتصادية أو حصار يفرض عليها أو أزمة اقتصادية غير متوقعة، سيؤدي إلى كارثة اقتصادية سياسية اجتماعية، حيث سينهار الاقتصاد وترتفع البطالة وينتشر الفقر.

إن نيل الاستقلال الاقتصادي لهو أصعب بكثير من نيل الاستقلال السياسي، لأن ذلك يتطلب خططاً اقتصادية وتعليمية ومالية ناجحة وفعالة، ورؤية اقتصادية بعيدة المدى، بالإضافة إلى إمكانات وموارد وكفاءات بشرية قادرة على إدارة الموارد المتاحة ووضع السياسات المناسبة، ومواجهة التحديات وتذليل المعوقات. وفوق ذلك إرادة حكومية شعبية صلبة لتحقيق الاستقلال الاقتصادي والإبداع فيه.



أضف تعليق



التعليقات 3
زائر 2 | 1:21 ص لقد وصلت الرسالة واضحة يا كاتب المقال. فشكرا لقلمك الذكي! رد على تعليق
زائر 3 | 8:01 ص دائما ما تبهرنا بمواضيعك ذات الرؤية الثاقبة..دمت فكرا نيرا و قلما معطاءا وطاقة يفتخر بها الوطن ويستفيد منها البلاد والعباد رد على تعليق
زائر 4 | 8:09 ص لا استقلال بلا بنك مركزي مستقل عن البنك الدولي.
فلبس بسر ان البنك موسسات النقد كما البنوك مربوطة بروابط وثيقه بالعملات الصعبه وطباعة هذه العملات الصعبه تكلف الدول المستهلكه إلى شراء سله مهملات او سله من الورق المطبوع كاحتياطي لها. هل هنا يصعب ان تكون قينة كل ورقه نقديه او عمله كما تسمى مساويه للعمله المحليه الأخرى . يعني الدينار الليبي يساوي الدينار العراقي ولا يساوي الدينار الاردني? رد على تعليق