القدر يغيّب اثنين من أبرز رجالات الكَوَرَة ويتركها تعيش في حزن عميق
في يوم الأربعاء ( أبريل/ نيسان 2017) تلقت ببالغ الحزن والأسى عائلة الفهد وعموم أهالي الكَوَرَة نبأ رحيل الحاج يوسف بن كاظم الفهد إلى الرفيق الأعلى، فكان رحيله قد ترك أثراً عميقاً في نفوس أبناء قريته، وما زاد حزنهم وأساهم أن الفقيد حتى آخر لحظة في حياته كان يتمنى رؤية ابنه محمد قبل وفاته، ولكنه فارق الحياة، ولم تتحقق أمنيته لاعتبارات خارجه عن إرادته وإرادة ابنه، ورحل الفقيد من هذه الدنيا الفانية بحسرته ولوعته على ابنه الذي كان يحبه كثيراً، فكلام أهالي القرية الطيب عن الفقيد ونعته بأنه كان رجلاً استثنائياً، ينم عن مكانته الاجتماعية الراقية التي كان يتمتع بها في أوساط مجتمعه، والتي لا يختلف عليها أحد في قريته.
بعد لم تجف دموع أبناء القرية على فقيدهم الفهد، حتى جاءهم النبأ الثاني الصادم، وذلك في يوم الأربعاء (12 أبريل 2017)، ليعلن لهم عن رحيل رجل آخر من رجالاتها الكبار، الوجيه والعالم والأديب والشاعر والمثقف الواعي الحاج أحمد بن جعفر العريبي، الذي وافاه الأجل المحتوم بعد مرض مفاجئ وخطير، الذي لم يمهله طويلاً، إن حديثنا عن هذه الشخصية الكبيرة الفذة، حديث يطول كثيراً، لتعدد أبعادها الخيّرة، فإذا ما تكلمنا عن الأخلاق نرى الفقيد المثال الأسمى لها، وإذا ما تكلمنا عن التواضع والتسامح نراه مجسداً رائعاً لهما، وإذا ما تكلمنا عن الورع والتقوى نجده المصادق الأبرز لهما، وإذا ما تكلمنا عن الكرم نجده خيراً منه، وإذا ما تكلمنا عن نقاء القلب وطيب السريرة نراه الأبرز فيهما، وإذا ما تكلمنا عن البهاء والهيبة نجده الأجمل منهما، وإذا ما تكلمنا عن الوقار والسكينة نجده الأفضل منهما، وإذا ما تكلمنا عن بشاشته وحسن استقباله لضيوفه يعجز اللسان عن الحديث عنهما، بالفعل كان رجلاً مضيافاً سخياً ودوداً حنوناً رحيماً رؤوفاً، بكل ما تحمله هذه الكلمات من معانٍ راقية، لم يشعر في يوم من الأيام أحد من ضيوفه أنه يتألم من مرضه، كان أكبر من المرض ومن آلامه، على رغم ما كان يعانيه رحمه الله من شدة المرض الذي ألم به.
ترى الابتسامة لا تفارق محياه، فكثير من أهل قريته يقولون إنهم إذا ما أحسوا بضيق الحياة وقسوتها يزورونه في مجلسه، الذي عودهم على استقبالهم طوال ليالي السنة، فيرونه باطمئنانه وإيمانه كالبلسم الذي يخفف عنهم آلامهم و يهدأ من روعهم، لم يروه متشائماً ولا قنوطاً أبداً، دائماً مفوض أمره لله الواحد القهار، يذكر ابن القرية عباس محفوظ، أنه ومجموعة من أبناء القرية، كانوا في سفرة مع الحاج أحمد، وقد أصيب الفقيد في تلك السفرة بجرح عميق في رجله اليسرى، ولم يخبرهم وكان يحاول إخفاء ما به عليهم بكل الوسائل والطرق، على رغم ألمه وسوء حالته، وبالصدفة اكتشف أحدهم ما به، وعندما سألوه لماذا يا حجي لم تخبرنا عن جرحك حتى نقوم بالواجب تجاهك؟، قال لهم: حتى لا أكون سبباً في مضايقتكم، كان صبوراً على المرض والألم إلى أبعد الحدود.
لقد فقدت قرية الكورة في أسبوع واحد اثنين من رجالاتها الكبار، الحاج يوسف الفهد والحاج أحمد العريبي، ولكنها لم تفقدهما روحاً، ستبقى تتذكرهما كلما تواجدوا في المحافل الاجتماعية والدينية، فرحمكما الله بواسع رحمته وأسكنكما الفسيح من جنته، مع الصديقين والصالحين، فسلام عليكما يوم ولدتما ويوم رحيلكما إلى الرفيق الأعلى، ويوم تبعثان حيين، ليس لنا إلا أن نتقدم بأحر التعازي إلى العائلتين الكريمتين (الفهد والعريبي) ولجميع أبناء قرية الكورة، ولكل المحبين للإنسانية الخيّرة، ونسأل الله أن يلهمهم ويلهم أهاليهما وذويهما ومحبيهما الصبر والسلوان.