ماذا لو!
ما الذي سيحدث لو استيقظنا ذات صباح وعالمنا الصغير هنا في البحرين خالٍ من كل العمال الأجانب؟ الأسر العاملة ستستيقظ مبكراً لتجهيز الأبناء للمدارس وإعداد الفطور ولن يكون هناك سائق، فسيأخذ أحد الأبوين الأبناء إلى المدارس، وقد تتعطل شركات مواصلات المدراس لأن غالبية السواق أجانب.
عند الخروج من المنزل ستتطاير أمامنا أوراق الشجر ومعها مخلفات المارة والسوّاق في اليوم السابق من أكياس وعلب العصير والمشروبات الغازية والمحارم. وسيختفي عمال النظافة من الأحياء، وأصوات المكانس المتثاقلة والنظرات المستجدية كل صباح. لن يتسنى لمن نسى أن يشترى وجبات المدرسة الخفيفة أو علبة سجائر، أن يمر سريعاً على أي من محلات البقالة لأنها ستكون مغلقة. سيصل الجميع إلى مدارسهم وأعمالهم متأخرين.
سيقوم الموظفون من كراسيهم لإعداد الشاي والقهوة وتسخين السندويتشات وتوصيل المراسلات للمكاتب الأخرى.
غالبية المحلات التجارية لن تفتح أبوابها سواء في الشوارع التجارية أو المجمعات التجارية الكبرى، سيشعر بعض التجار أنه محظوظ لأنه وظّف بحرينيين على مضض في يوم من الأيام. ستتعرقل حركة الفنادق ممكن وظفت قلة من البحرينيين في طاقمها، بينما ستغلق الفنادق (الرخيصة) أبوابها بعد أن تخلو من عمّالها، وأيضاً زبائنها.
ستتوقف كل المشاريع الإنشائية أينما ترك عمالها أدواتهم في اليوم السابق، وكذلك ورش النجارة والحدادة وستتعطل عمليات المصانع.
وستكون غالبية فرشات بائعي السمك والخضراوات الفواكه بلا بائعين في الأسواق المركزية وعند زوايا الشوارع. سيختفي أيضاً الباعة الجائلون الذين يدفعون أمامهم حافظات البرودة البلاستيكية ويطرقون أبواب المنازل لبيع الأسماك والروبيان حتى في مواسم المنع والحظر.
ستغلق كل محلات الخياطة النسائية والرجالية أبوابها وكذلك صالونات التجميل النسائية ومحلات المساج وتقليم الأظافر المنتشرة. وقد يبقى في بعضها، البحرينية الوحيدة، موظفة الاستقبال، وستنتفي الحاجة لها في غياب خبيرات التجميل أصلاً من الصالونات. وسيحتار الرجال ليلة الأحد بحثاً عن بديل للحلاقين الذين يقدمون خدمات الحلاقة وبعضاً من مساج الكتف والرقبة بأسعار زهيدة. سيغطي السيارات الغبار وهي تسير في الشارع فلن يكون هناك من يتعاقد لغسل السيارة يومياً بـ 10 دينار شهرياً.
وستخلو الشوارع من سيارات نقل العمال الكبيرة، ولن نرى مناظر العمال متكدسين فيها مع الشروق وعند الغروب ورؤوسهم تسقط على صدورهم تعباً.
سيختفي الباحثون في القمامة عن مخلفات قابلة للتدوير، وفي المساء سيختفي منظر الأشخاص المنهكين الذي يدفعون أمامهم عربات تشبه الأقفاص الحديد، وبها مخلفات الأوراق وعلب (الكارتون)، ربما كان هؤلاء يقومون بذلك كعمل إضافي.
لن تكون هناك تجمعات مركزية في كل المناطق لأشخاص متنوعي المهارات، وستتعطل أعمال السباكة والنجارة والأعمال الكهربائية والصباغة التي يقوم بها هؤلاء في حال الطوارئ في المنازل. وستصبح مياه برك السباحة خضراء لتوقّف عمليات تنظيفها وصيانتها.
لن نرى في الشوارع دراجات نارية بصناديق توصيل طلبات الوجبات للبيوت والأعمال، وسيجلب الموظفون وجباتهم من المنزل، وقد لا يتسنى لنا تناول الغداء أو العشاء في المطاعم، وقد نقطع أميالاً طويلة لنصل إلى مقاهٍ أبقاها عمالها البحرينيون على قيد الحياة.
ستطول الحشائش في الحدائق وتتشعث أغصان الشجر في الشوارع وفي البيوت، وقد يموت بعضها لحرمانها من الري والعناية. وقد يفضل البعض مد المسطحات الأسمنتية في البيوت بدلاً من اللون الأخضر.
لن نرى الموج البشري الأجنبي في أيام الإجازات في أماكن التجمعات في سوق المنامة وفي سوق المحرق وفي أماكن التجمع في مناطق مختلفة في مملكتنا الصغيرة.
سيصاب تجار البشر بالانهيار لفقدهم مصدر دخلهم الملوّث بعرق الفقراء.
سيكون هذا اليوم الذي نستيقظ فيه وقد غاب فيه مشغلو كل هذه الأنشطة والأعمال كالكابوس، فأعمال كثيرة ستتعطل في كل القطاعات، وتتعطل معها جوانب كثيرة من حياتنا، لكن سيكون على الحياة أن تستمر، وحينها ستضبط الأسر ساعتها أبكر قليلاً، وستعلّم الأمهات الأبناء ألا يتركوا غرفهم قبل ترتيب الفراش، وسيتعلم أفراد الأسرة إبقاء المكان نظيفاً ومرتباً بعد استخدامه وسيتعاون الجميع للتنظيف، وستنتعش مبيعات غسالات الصحون وأجهزة الطبخ السريع الإلكترونية، قد يتأسف البعض للبيوت الكبيرة التي سيصبح تنظيفها وصيانتها عبئاً، وقد يضطر البعض لإغلاق أجزاء منها أو إعادة هندسته والإبقاء على الجزء المستخدم فقط.
لن تكون لدى الناس أوقات فراغ ليضيعوها بالانشغال بالهاتف النقال وفي إرسال وإعادة إرسال رسائل (الواتساب).
ستنتعش دور الحضانات لكل الأعمار، وتغيّر جداول عملها وساعاتها، فلن تغلق أبوابها وتصرف الأطفال عند الساعة الثانية عشرة، بينما مواعيد الانصراف من الأعمال يصل أحياناً إلى الخامسة.
سيضطر التجار وأصحاب الشركات والمصانع وحتى المقاولون لتوظيف البحرينيين ولأتمتة ما يمكن أتمتته لتوفير الوقت والمال على المدى الطويل.
سيضيق الناس بحالة الفوضى الخارجية، فيتوقفوا عن رمي المخلفات في الشارع، وسيحرص أصحاب البيوت على وضع القمامة في داخل الحاويات المخصصة لها؛ لأن إلقاءها بجانبها قد يغري قطط الشارع لتمزيق الكيس ونثر القمامة أمام المنزل، ولن يكون هناك من يكنسها فيما بعد.
ستبحث المصانع والشركات عن موظفين يسيرون أمورها، وسيخلص أصحابها في تدريب العاملين البحرينيين الجدد الذين لا خيار غيرهم، وستنتعش معاهد التدريب وتعاد هندسة الأعمال، وسيتم تبنى الأساليب والأدوات الحديثة لجودة أعلى وتكاليف أقل. كذلك ستفعل المحلات التجارية.
سنكون بذلك قريبين في سلوكنا الحياتي من شعوب كثيرة بلغت درجة التحضر بالتدريج، ولم تسقط عليها الثروة من السماء أو تنفجر تحت أقدامها كنوز الذهب الأسود، فجأة. هذه الشعوب أيضاً، في الشرق والغرب، تستعين بعمالة منخفضة التكاليف والدخل أيضاً تقوم ببعض الأعمال وخصوصاً تلك التي لاتزال بحاجة أن تنجز يدوياً، لكنها تنظم الاستفادة منها بقوانين عمالية وحقوقية تضمن لها مستوى إنسانياً ومعيشياً لائقاً يقيها شر المستغلين وتجار البشر، فتكون الاستفادة منها أيضاً مقننة وكلفتها تتناسب مع الخدمات التي تقدمها.
تنتابني حالة من الارتباك كلما حان موعد سفر العاملة المنزلية في بيتي، أو طرأ طارئ في بلدها يتطلب سفرها الفوري. فكيف لو استيقظ شعب على غياب أكثر من نصفه الذي يهدف وجوده أصلاً لتسهيل حياة النصف الأول. هذا الارتباط مرده أننا أفرطنا في الاعتماد على من يقوم بأعمالنا بدلاً عنا. حتى أصبحنا تلك الأمة التي حذرها جبران خليل جبران في مقولته «ويل لأمة تلبس مما لا تنسج وتأكل مما لا تزرع وتشرب مما لا تعصر».