ما لا يوجب القانون منحه نصاً فهو خيار بين المنح والمنع
منذ 8 مايو/ أيار1937 تاريخ صدور رقم إعلان 20/1356 بـ «قانون الجنسية البحرينية»، وما تلاه من تعديلات في 16 سبتمبر/ أيلول1963، وفي 12 أكتوبر/ تشرين الاول1963، وكذلك التعديل الصادر في 18 مايو/ ايار1981، والتعديل الصادر في 8 يوليو/ تموز1989، وعلى رغم أن النص القانوني لم يتغير في التعديل الأخير الصادر في 7 يوليو2014، انقضت قرابة الست وسبعين سنة، لم يحدث فيها أن تم منح الجنسية كما حدث في الأعوام الأخيرة.
وذلك على رغم من أن قانون الجنسية البحريني، في جميع إصداراته وتعديلاته، لم يُوجِب نصاً منح الجنسية لمن طلبها، أي لم يجعل المنح واجباً، بناء على استيفائه الشروط (أو المؤهلات) الأربعة كما ذكرها القانون، والمتلخصة في: الإقامة مدة 15 عاما للعربي و25 عاماً للأجنبي، وكونه حسن الأخلاق، ويعرف اللغة العربية معرفة كافية، وأن يكون لديه في البحرين عقار ثابت مسجل باسمه، والنص القانوني في ذلك واضح ولا يقبل التأويل، ورغم ذلك فقد تم تجنيس من لا يعرف العربية معرفة كافية.
وحيث كان موضوع منح الجنسية هو قرارٌ سياديٌ، يؤثر إيجاباً وسلباً في السمة والهوية الوطنية، التي يعكسها المواطن في سمات تقاطيع نسله، وثقافته وأخلاقياته وتصرفاته بلغة تواصله مع الآخرين، الأمر الذي يجعل صيت الوطن بصيت إيجابيات مواطنيه، فكم كنا نسمع الإطراءات حين التعارف مع أفراد شعوب أوطان مختلفة، بمجرد أن يعلموا أننا بحرينيون، لنا نكهة في السمة البحرينية والسمعة البحرينية والوطن البحرين.
هذا في جانب، وفي الجانب الآخر فإن قرار منح الجنسية، له أثر على مستوى كفاية موارد الدولة لتغطية احتياجات مواطنيها وحفظ كرامتهم الإنسانية، بحفظهم من العوز والفاقة وضيق ذات اليد، في المأكل والملبس والمسكن، ووجوب توفير فرص العمل، والتيسير عليهم في تنقلاتهم، بما تستطيع موارد الدولة تحقيقه، في إنشاء وتطوير البنية التحتية من شق شوارع وتشييد جسور وتوفير سبل المواصلات العامة، وتوفير بنية بناء المواطن بالاهتمام بالتربية والتعليم لإعداد النشء، المتمثلة في حضانات ورياض الأطفال والمدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية والمعاهد والجامعات، وتوفير البعثات الدراسية ومراكز الدراسات والبحوث، وهناك الرعاية الصحية، التي هي أساس بناء الإنسان المواطن، ألم تعلمونا «أن العقل السليم في الجسم السليم» هذه الرعاية تستلزم تشييد المستشفيات والمراكز الصحية، التي لا تَرِدُّ أي مريض أو مصاب بأعذار مثل نقص الأسرة أو غياب الطبيب او نقص الدواء، أو تأخير طبابته عن المعاينة الفورية.
من المعروف لدى حكومة أي بلد، من أجل التخطيط للاستخدام الأمثل لموارد الدولة، لكي تقدم أفضل الأساسيات والخدمات لمواطنيها، أنها تعتمد على التقارير والإحصاءات المعلنة المرصودة بالأرقام، من أجل توزيع أبواب الصرف من إيرادات الميزانية، لتعتمد مقدار نصيب المواطن الفرد مما تشمله بنود الصرف من الميزانية، بما يحفظ كرامة المواطن بحفظه من العوز والفاقة وقصر ذات اليد، لا بل والعمل على تحسين معدل الفرد هذا ما بين عام وآخر، ولن يتحصل ذلك إيجاباً ما لم يكن هناك تعداد لنفوس المواطنين، ودراسات للنمو السكاني، التي هي المعيار للخيار بين الحاجة للتجنيس من عدمه، من بعد توفير نصيب الفرد المواطن المثالي وربما أكثر، وحين يكون المواطنون متبوئين جميع وظائف الدولة، وليس هناك ضمانة لذلك أكثر من العدالة الاجتماعية والحقوقية بين المواطنين، والبحرين ولّادة في جميع المجالات، ولن تكون هناك حاجة للتجنيس سوى لليسير القليل ممن أدى خدمات جليلة فعلية للبحرين، كدولة أساسها شعبها، وليس لفرد مهما علا شأنه، عبر تقديمه طوال فترة إقامته في البحرين، خدمات تطوعية غير وظيفته التي يتقاضى أجرها، ويجيد اللغة العربية كتابة وصوتا وتهجئة بأصل حروفها، وتنغرس في بنائه الثقافي والنفسي والأخلاقي، سمات أرقى الصفات البحرينية، ولديه من العلم والأداء والعطاء ليكون قيمة مضافة، وليس عبئاً على نصيب المواطن الفرد من موارد الدولة.
فلير الـ «بحريني» كما هو مُعَرَّفٌ في قانون الجنسية، النظافة والصحة البيئية العامة، بدءًا من صباحه حتى ساعة منامه، فلا أصوات مزامير السيارات، تؤذي مسامعه طوال رواحه وغُدُوِّهِ نتيجة الازدحام في جميع الشوارع، وهدر وقته في احتمال القلق والقهر عند كل إشارة مرورية بل وقبلها بمئة متر وأكثر، التي لم تعد تسهيلاتها تتناسب مع احتياجات «البحرينيين» فكيف بعشرات الآلاف وربما مئات آلاف المضافين بالتجنيس، بما ضاقت الشوارع بمعاناة كليهما.
فلير «البحريني» أن له حق في اختيار موعد طبابته بما يؤمن له العلاج الفوري أو العاجل بدل نظام المواعيد الذي يرجئ العلاج الى ما بعد شهور، يقضيها في قلق ما بين احتمال التعافي أو الانتكاسة، فليغادر «البحريني» المركز الصحي وبيده دواؤه بدلا من اضطراره لشراء الدواء المفترض أن توفره الدولة، أو حتى لا يجده في الصيدليات القريبة، فما بالك بمواعيد إجراء العمليات التي تتأجل إما لكثرة المواعيد أو لعدم توافر السرير.
وقبل هذا وذاك، فليؤمن لـ«البحريني» سكنا لائقا قبيل زواجه، بدل أن يتوفاه الله، في لحظة عيناه تدمع ألماً، على مجهول حال ولده من بعده، فليأمن البحريني بعد تقاعده أن يؤمن لعياله عمل مناسب لكفاءتهم مقابل أجر عادل يقيهم العوز والفاقة.
ولتتسع المدارس الحكومية والمعاهد والجامعات، بمنشآتها من المدرجات والصالات والفصول والمعامل، وطاقتها البشرية من المدرسين والممارسين والأساتذة، بما يكفي لتلقي الطالب علومه ضمن أضيق المجموعات الطلابية بدل تكدس أكثر من 40 طالبا في المستوى الأساسي في المدارس، وليتوافر لجميع خريجي المدارس مقاعد في الجامعات، تحقق طموحاتهم بما جدُّوا واجتهدوا وخططوا من مآلات مستقبلهم الوظيفي.
حينها فقط فلتُمْنَح الجنسية لمن طلبها وتوفرت له شروط استحقاقها، والتي أهمها (وهذه افتقرها القانون) أن لديه من المؤهلات الجامعية والخبراتية ما يجعل منه قيمة مضافة للبحرين، وبما لا يؤثر إلا إيجاباً على نصيب الفرد «البحريني» من إيرادات الدولة المتمثلة في الأساسيات والخدمات العامة.