الفورمولا وان... «الومضة الرابحة» التي ينتظرها التجار
هي «ومضة» اقتصادية في سنة طويلة مليئة بالحوادث والرسوم والقرارات. إنها لحظة البرق التي تخطف أنظار الرياضيين والاقتصاديين على السواء، إنها لحظة الرعد الصاخبة في أجواء الهدوء والاستكانة، قطرة الماء الطازجة التي تسقط على بحيرة «الركود الاقتصادي» فتثير فيها دوائر من الرواج والحركة والنشاط والخير «بإذن الله».
استضافة البحرين لسباق «الفورمولا وان» على أراضيها يتجاوز كونه حدثاً رياضياً مميزاً يضع مملكة البحرين على الأجندة العالمية للأحداث الرياضية الكبرى، فهذا أمر بات مفروغاً منه والحديث عنه بات أقرب للتعريف بما هو معروف، وشرح ما هو مشروح، وتوضيح ما هو واضح وجلي، والكلام عنه بات مكرراً على رغم حلاوته وطيبه.
من ناحيتي يهمني الجانب الاقتصادي في الصورة المفعمة بالحركة. يمكن أن تقول أنه بحكم التخصص أو الاهتمام أو المسئولية أو الحس الوطني أو أي سبب آخر، والفورمولا باتت موسماً يوضع على أجندة التجار في البحرين مثلما يوضع على أجندة الرياضيين. شركات الطيران تترقب حدوثه، الفنادق تنتظره بفارغ الصبر، المتاجر والمطاعم والمقاهي تحسب له يوماً بيوم حتى يهلّ عليها مثل «هلال رمضان» في منتصف أبريل/ نيسان من كل سنة. وبالمثل يمكن أن تقول على قطاعات كثيرة أخرى منها المصارف ومكاتب الصرافة ومكاتب تأجير السيارات ومكاتب الدعاية والتسويق والإعلان (وبالطبع المطابع) وسائقي الأجرة والمجمعات التجارية والأسواق الشعبية وأماكن الترفيه وغير ذلك من أهداف متوقعة لعدد كبير من السياح والمتابعين الذين يتوافدون على المملكة في هذا الموسم. فالأبعاد الاقتصادية الإيجابية لسباق الفورمولا 1 أصبحت تغطي كافة جوانب وأركان المجتمع، مع تزايد شريحة المستفيدين من احتضان المملكة لأحد أضخم الفعاليات الرياضية على مستوى العالم.
ويكفي هنا مثلاً أن نشير إلى أن تنشيط قطاع مثل القطاع الفندقي «فقط» يحرّك معه على الأقل نحو 50 نشاطاً آخر، وفي بعض الدراسات تصل الأنشطة المباشرة وغير المباشرة والفرعية والجانبية نحو 90 نشاطاً بما فيها قطاعات المقاولات والصيانة بكل فروعها، والأكل والشرب والمفروشات بكل أصنافها.
المنافع الاقتصادية في حقيقة الأمر لسباق «الفورمولا وان» لا تقتصر فقط على شركات الطيران والفنادق، بل فوائدها تطال بالتأكيد المؤسسات المتوسطة والصغيرة الحجم التي ستستفيد بدورها من ضخّ السيولة الناتجة من عمليات الشراء والبيع في الأسواق وتوافد مئات إن لم يكن آلاف السياح للمتابعة والاستمتاع بالسباق والأجواء المصاحبة، لأن الدائرة الاقتصادية عندما تتحرك لا تستثني أحداً على الإطلاق، فالانتعاش يعم على الجميع مثلما يصيب الركود الجميع أيضاً في مواسم الركود، وما أكثرها هذه السنوات!
من الظواهر الإيجابية الملفتة هذا العام - والتي نبهني إليها بعض القراء الأجلاء من التجار- أن إدارة الفورمولا سمحت هذا العام لبعض «العلامات التجارية المحلية الوطنية» وخاصةً في قطاع المطاعم، من التواجد في هذا الحدث الاستثنائي المهم، وتقديم منتجاته إلى روّاد الحلبة، وأنا أثق جيداً أن الاختيار لم يكن عشوائياً؛ بل كان بناءً على كفاءة هذه المطاعم المحدودة وقدرتها على تشريف المنتج البحريني وسط العلامات التجارية العالمية التي كان التواجد حصرياً عليها فيما سبق. وأعتقد أن قطاع المطاعم البحريني في أشد الحاجة إلى مثل هذا النوع من الدعم، في ظل تمنياتي أنا الشخصية بتفعيل فكرة «الفرانشايز» والخروج بعشرات العلامات التجارية البحرينية إلى آفاق العالمية وخاصةً قطاع المطاعم المؤهل بقوة لهذه الخطوة. وهي التمنيات التي يوازيها قبول لدى وزارة الصناعة والتجارة والسياحة ومجلس التنمية الاقتصادية و»تمكين» أيضاً، وأتمنى من كل قلبي أن تفعل هذه الخطوة قريباً جداً، ونرى علامات البحرين التجارية في شوارع لندن وباريس ودبي والقاهرة وأسطنبول.
نشد على يد إدارة الفورمولا في دعم قطاع المطاعم ونتمنّى المزيد من هذا الدعم «وفقاً لاشتراطات عالية الجودة» في الموسم المقبل، فمن يحظى بفرصة كهذه يجب أن يكون على أعلى مستوى من الأداء والكفاءة في مجاله، فلا تهاون أبداً في سمعة البحرين في حدث عالمي مثل هذا، وإلا ستكون النتيجة عكسيةً على سمعة البلد والقطاع.
في المجمل ما يتوافر من معلومات يدلل على أنه على مدار السنوات الاثنتى عشرة الماضية، حقّقت حلبة البحرين الدولية نقلة نوعية من كونها أول حلبة لاستضافة سباقات السيارات في المنطقة لتصبح واحدةً من أكبر الحلبات قيمةً على التقويم السنوي لبطولة العالم للفورمولا واحد، ونالت عن جدارة واستحقاق لقب «موطن رياضة السيارات في الشرق الأوسط»، وحرّكت مع سباقاتها الشهيرة الكثير من القطاعات والأنشطة الاقتصادية، ووفّرت فرصاً موسمية ودائمة للعمالة الوطنية وأكسبت كثيرين خبرات مميزة على مستوى تنظيم الأحداث الكبرى وترتيبها والمشاركة بها، واستقبال الوفود وغير ذلك من أعمال كان السباق محوراً لها.
ووفقاً لدراسات قامت بها مؤسسة (Formula money) على سبيل المثال، ساهم سباق الفورمولا واحد في الناتج الإجمالي المحلي بنحو 270 مليون دولار، بينما الأثر السنوي على الاقتصاد المحلي بلغ رقماً يقارب 300 مليون دولار».
في العام 2012 ضخت «الفورمولا وان» في الاقتصاد المحلي ما يقارب 220 مليون دولار، وارتفع إلى 295 مليون دولار في 2015، كما وفر الحدث 3 آلاف وظيفة ما بين دائمة ومؤقتة، وارتفع نمو القطاع السياحي بنسبة فاقت 60 في المئة منذ العام 2004 حتى 2015.
خلاصة القول، البحرين سعيدة على المستوى المجتمعي باستضافة الحدث، وعلى المستوى الاقتصادي بالنشاط الكبير الذي يبثه في الأوساط التجارية المختلفة، فكم من «ومضة اقتصادية» مثل هذه يحتاجها القطاع التجاري لتحسين أوضاعه؟