ميزة المحرق
إن كان هنالك ما يميّز المحرق عن باقي مدن وقرى البحرين فهو حب أهلها لمدينتهم وتمسكهم بها لأقصى الحدود، فهم لا يرضون بأي حال من الأحوال استبدالها بأي مدينة أو قرية أخرى مهما كانت الظروف. كما يميّزها طيبة أهلها وتقبلهم للآخر مهما اختلف معهم في الدين أو المذهب، ولذلك على رغم ما حيك من مؤامرات خلال فترة الاستعمار لدقّ إسفين الفتنة الطائفية، كانت المحرق برجالاتها وأهلها أول من وقف ضد هذه الفتنة بجانب إخوتهم في الوطن، وذلك ما كان فترة أحداث انتفاضتي العام 1956 وعام 1965.
كما احتضنت المحرق العزيزة الحركات الاحتجاجية أواخر ثمانينات القرن الماضي التي قادها الإتحاد الوطني لطلبة البحرين في الخارج، احتجاجاً على منع الكثير من نشطاء الطلبة من السفر وسحب جوازاتهم لحرمانهم من إكمال دراساتهم في الجامعات الخارجية، كعقوبةٍ لهم على مواقفهم المناهضة لقانون «أمن الدولة»، والمطالبة بعودة الحياة النيابية في البحرين.
ولازلت أذكر كيف كنا كطلبة في الداخل، نساند وندعم هذه الحركات الاحتجاجية والمسيرات التي كانت تُنظّم في شوارع المحرق، وكيف كنا نستغل «الدواعيس» للهروب من شرطة مكافحة الشغب التي كانت تقمع هذه المسيرات، وكيف كان أهل المحرق يفتحون أبوابهم لإيواء الطلبة الملاحَقين.
كان ذلك بالطبع موقف أغلب الشعب البحريني في مختلف المدن والقرى كما كان ذلك موقف أهالي المنامة التي لم تخلُ أيضاً في ذلك الوقت من الحركات الاحتجاجية والمسيرات.
كل ذلك كان في الزمن الماضي، حين كان الجميع على قلب واحد، وقبل أن يسعى البعض لاختطاف مدينة المحرق ويتحدّث باسمها بأسلوب طائفي مقيت. هذا البعض يحاول اختزال المحرق وأبنائها، متناسياً أن مدينة المحرق وكجزء من الوطن الأم، تحتوي على فرجان مشتركة ومناطق مشتركة، بالإضافة إلى مناطق في أغلبها من طائفة.
في الفترة الأخيرة وكموجة سائدة، رأينا البعض يحرم ويهاجم المؤسسات الأهلية والمجالس الشعبية بحجة أنها تستضيف شخصيات بحرينية يصنّفها هو «ومن وجهة نظره» بأنها «شخصيات انقلابية وعميلة للخارج...»، وغيرها من النعوت والأوصاف الطائفية.
وبحجة أن للمحرق ميزات خاصة يحاول البعض أن يفرض وصايته وصوته على الجميع، وأن يعزل المحرق عن باقي المدن والقرى، بل كانت هناك محاولات من جانب آخر، لعزل المحرق من خلال منع التملك أو شراء العقارات والأراضي لطائفة معينة أوائل الألفية الثانية، ولعدم قانونية هذا القرار تم إلغاؤه في فترة لاحقة.
المحرق جزء من الوطن، لا يمكن اختصاره في فئة معينة، كما لا يمكن فرض الوصاية عليه من أحد، فلكل مواطن حقّه في استضافة من يشاء، ولكل مواطن أن يعيش أينما أراد، وخصوصاً بعد أن ملأت العمالة الأجنبية والمواطنون الجدد مختلف مناطق البحرين ولم تعد هنالك خصوصية لأي منطقة دون سواها.