العدد 5319 بتاريخ 30-03-2017م تسجيل الدخول


الرئيسيةالأعمدة
شارك:


الاختلاف في الأفكار والرؤى نماء وتطور للوطن

لو المجتمعات الإنسانية آمنت قولاً وفعلاً بإيجابية مبدأ الاختلاف في الأفكار والرؤى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والتعليمية والخدمية وغيرها من المجالات الطبية والمهنية، لما تراها تعيش الجمود والرتابة والإخفاقات والتراجعات في الكثير من المجالات التخصصية وغير التخصصية المهمة، ولما تراها تتعرض إلى أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وإنسانية خانقة، ولما تعطلت مسيرتها الاقتصادية والسياسية، ولما تعثرت في تنميتها البشرية، وإنما نراها تعيش في حيوية دائمة وتطور مستمر وتنمية لا تتوقف في كل المجالات، العلمية والعملية، لماذا؟ لأنها نظرت إلى الاختلاف في الرأي بإيجابية كبرى.

ولم تتحسس من النقد البناء الذي يقصد من ورائه مصلحة الوطن والمواطن، وتعاملت معه ونقصد الاختلاف في الرأي بأنه السبيل الأفضل والأنجع في تطوير البلد وتنميته في كل مناحيه الحيوية، وكانت تنظر إلى ما قيل وليس إلى من قال، فلهذا أصبحت رائدة في العلم والمعرفة، وفي الصناعات الخفيفة والثقيلة، وفي الابتكارات العلمية، وفي الاكتشافات الطبية، بخلاف المجتمعات التي تنظر إلى الاختلاف في الرأي بأنه عداء وبغضاء وكراهية وأحقاد، وأنه يقصد منه تقويض مصالح البلاد، وتعطيل مسيرته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فأكثر من هذا وذاك، تعتبر أي رأي يأتي من جهة تختلف معها في الرأي غير مقبول لديها، حتى ولو كان ذلك الرأي مفيداً للبلاد والعباد، فلهذا تجدها تراوح في مكانها تارة، وتتراجع في مشاريعها تارة ثانية، وتخفق في تحقيق طموحات بلدها تارة ثالثة، وتفشل في الكثير من برامجها تارة رابعة، وتخسر مواقعها الاقتصادية والإنسانية تارة خامسة، وتتخبط في أحايين كثيرة في اتخاذ قراراتها تارة سادسة.

حسب الدراسات المجتمعية، أنه لا يوجد مجتمع واعٍ في العالم لا يريد لبلده النماء والتطور والأمن والسلام والخير الوفير والاطمئنان والاستقرار في كل المناحي الحياتية، فإن وجد مجتمعاً يريد لبلده الشر والتأخر في كل شيء، فهذا ليس مجتمعاً واعياً ومدركاً للقيم الأخلاقية والوطنية، فالمجتمع الواعي يكون حريصاً على جعل التعليم مرتكزاً أساسياً في تطوير وتنمية بلده، لعلمه أنه بدون تعليم حقيقي يلبي احتياجات سوق العمل في بلده، ويحترم ويقدر الكفاءات والخبرات الوطنية، ويعمل على تطبيق العدالة والمساواة في اختيار الكوادر التعليمية، بعيداً عن كل المؤثرات الأيديلوجية والنفسية، ويأخذ بمبادىء المواطنة المتساوية وتكافؤ الفرص والشفافية في الترقيات والتعيينات والتوظيف والحوافز والمكافآت وفي توزيع البعثات والرغبات الدراسية، ويجعل الوطن دائماً في مقدمات أولوياته التعليمية، لقد أثبتت المجتمعات التي أتخذت التعليم سلماً لرقيها، أنها صائبة في قراراتها وخطواتها العملية.

وأمامنا تجارب كثيرة للمجتمعات التي جعلت التعليم في مقدمة أولوياتها، كيف استطاعت بجهودها وإمكاناتها وقدراتها وكفاءاتها وخبراتها الوطنية، الوصول إلى مقامات ومراكز متقدمة ومتميزة في التعليم وغيره من المجالات العلمية والعملية ؟ فبلدنا البحرين لديه من الإمكانات والقدرات البشرية الوطنية الهائلة، بإستطاعته تحقيق المنجزات والمعجزات العلمية والعملية في مختلف المجالات، فكل متطلبات التطور والتنمية متوفرة فيه ولله الحمد، من الناحيتين، البشرية والاقتصادية، كل ما تحتاجه هو التعليم المنتج، الذي يمتاز بالجودة العالية في خطته الاستراتيجية وفي تنفيذها، والذي يعتمد اعتماداً كلياً على الرؤى التعليمية المتميزة، التي تضع تطوير وتنمية المواطن هدفاً رئيسياً لها.

فالتعليم الحقيقي لا ينظر إلى اللون والجنس والعرق والانتماء في خياراته واختياراته، فهو همه الوحيد الحصول على الكفاءات الوطنية التي تستطيع أن تجعله رائداً ومتميزاً، داخلياً وإقليمياً وعربياً وإسلامياً وعالمياً، فلا أحد في البلاد يختلف معنا فيما ذهبنا إليه، لأن في اعتقادنا أن الجميع في بلدنا يريدون للتعليم التميز والريادة، وجميعهم يسرهم تحقيق طموحات وطنهم التعليمية على أيدٍ وطنية خالصة، فالتعليم متى ما قبلنا أن نجعله ألعوبة في يد الانتماءات والأيدلوجيات والمجاملات والمحسوبيات والعرقيات، فإننا بذلك نسهم في إسقاطه وتجريده من كل أساسياته ومرتكزاته الحقيقية، فلا نأمل منه بعد ذلك أن يحقق للوطن الأدنى من طموحاته وتطلعاته التنموية.

فالخطورة في مثل التوجه غير المقبول وطنياً وتربوياً وإنسانياً واجتماعياً أن نروج للتعليم غير الفعال، ونمتدحه في الإعلام والمحافل التربوية الداخلية والخارجية، ونقول عنه أنه في أحسن حال، على رغم أننا نعلم يقينياً أنه في حال لا يسر كل مخلص في هذا الوطن، ليس كل ما يكتب في التقارير والملفات الضخمة حقيقة في الواقع التعليمي، والدليل أن التعليم الذي مر عليه قرابة قرن من الزمان، لم يستطع حتى هذه اللحظة تأمين كل احتياجات سوق العمل، في المجالين، الأكاديمي والمهني، ولم يستطع الوصول إلى اكتفاء الوطن ذاتياً في المجالات التربوية والتعليمية والطبية والتكنولوجية والتقنية والمعلوماتية والفنية، فالتعليم الذي يصل إلى مرحلة العجز في توفير كل متطلبات الوطن الاقتصادية والتربوية والتعليمية وغيرها من المتطلبات الأساسية، يكون عبأً ثقيلاً على اقتصاد البلاد، شئنا ذلك أم لم نشأ.

فأي مجامل أو معرقل أو معطل لمسيرة التعليم في البلد، جميعهم يعلمون أنهم يعملون في غير صالح الوطن والمواطن، فلو قلنا أنهم لا يعلمون، فهذه مصيبة، وإن قلنا أنهم يعلمون، فالمصيبة أكبر، فالعلم بالخطأ لا يفيد ولا يصحح وحده أحوال التعليم، إذا لم يكن العلم به تصاحبه خطوات عملية تغييرية في الواقع التربوي والتعليمي، نأمل أن نرى التعليم يأخذ المكان اللائق به قريباً، بعد أن نبعده عن كل التجاذبات النفسية السلبية، ليتمكن من الاستفادة بصورة كاملة من كل الطاقات البشرية البحرينية في تنمية وتطوير البلد.



أضف تعليق