العدد 5317 بتاريخ 28-03-2017م تسجيل الدخول


الرئيسيةالأعمدة
شارك:


أسر ما بعد الطفرة

«ارتفعت أسعار النفط، وهو وقود التنمية، فتولّدت الوظائف في سوق العمل، فوجدت المرأة فرصتها للعمل، فاحتاجت من يساعدها في الاهتمام بأطفالها والأعمال المنزلية في أثناء وجودها خارج المنزل، ولم يكن عدد العاملات المحليات القليل، يلبّي الطلب المتسارع على هذه الفئة من العمالة، فتمت الاستعانة بالعاملات المهاجرات من الخارج وغالبيتهن من دول آسيوية وحديثاً أفريقية».

كان أحد المشاركين في ورشة عمالية نظّمها أخيراً الإتحاد العام لنقابات عمال البحرين بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، بشأن السياسات والخطط الاستراتيجية بشأن العمال المهاجرين، يوضّح بهذا التعليق أسباب استقدام العمالة المنزلية في البحرين، والذي كان مرتبطاً بشكل كبير بخروج المرأة للعمل.

وواصل مازحاً: «مع انحسار أسعار النفط ستنكمش فرص العمل، وقد تخرج المرأة من سوق العمل وتعود للبيت، ولن تتمكن من تحمل تكاليف عاملة المنزل، فتستغني عنها وتقوم هي بدور هذه العاملة، وبذلك سينخفض عدد عاملات المنازل»!

بالتأكيد لن يتدرج الأمر عائداً في الاتجاه العكسي بهذه السهولة في الحياة الواقعية، فخلال العقود الثلاثة الماضية تغيّر نمط حياة الأسر البحرينية بفعل ارتفاع مستويات المعيشة التي انعكس عليها ارتفاع الدخل الوطني القائم على النفط، والذي حفّز الانفاق الحكومي ومعه الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي.

وعمال المنازل الذين يزيد عددهم حالياً عن 110 آلاف غالبيتهم من الإناث، ليسوا وحدهم التغيير الطارئ الذي عرفته الأسر المحلية والمجتمع الذي شهد أيضاً ارتفاع حصة المرأة من سوق العمل من 5 في المئة في العام 1971 إلى نحو 36 في المئة في 2016، ففي تلك الفترة كان نمط الحياة يتغيّر بسرعة كبيرة، وكانت الوفرة المالية التي تولّدت أكبر من أن يتم هضمها بتمهّل، وبالقدر الذي يخلق معها توازناً في السلوك الحياتي سواءً على مستوى الأفراد أو الأسر أو المجتمع. فانطلق الأفراد في ماراثون الانفاق والاستهلاك، وخُلقت معايير للتحضر والترقي الاجتماعي، وأثقل كثيرون أنفسهم بالانفاق اللاواعي للوصول لهذه المعايير، ومسايرة موجة المظاهر الاجتماعية الجارفة.

وبالإضافة إلى تصاعد الإنفاق الاستهلاكي الباذخ، قيّدت الأسر أنفسها بديون طائلة لإنشاء مساكن كبيرة ليست هي بالضرورة في حاجة لاستخدام كافة المساحات والمرافق فيها، وتلاشت ثقافة الاستغلال الأمثل للموارد كما كان يستفاد من النخلة، فيما لم تنل ثقافة الادخار نصيبها من السلوك، وبالتالي أصبح لعمال المنازل وبالأخص الإناث منهم أهمية كبيرة من أجل المساعدة في القيام بالأعمال المنزلية التي يتطلبها الوضع المستجد لحجم المساكن وأعباء تنظيفه وصيانته.

وعلى رغم أن المشارك في الورشة كان محقاً في مداخلته بإرجاع تزايد عدد عاملات المنازل لخروج المرأة للعمل، إلا أنه لم يقل أن هذا السلوك كان اضطرارياً بسبب عدم وجود خيارات كثيرة للأسر التي يعمل فيها الزوجان ممن لديهما أبناء في أيٍّ من المراحل الدراسية. فأنظمة المدارس ودور رعاية الأطفال في كل مراحلها حتى الآن، وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على انخراط المرأة في سوق العمل، لا تزال غير مواكبة لاحتياجات الأسر من خدمات رعاية الأطفال، فغالبية هذه الحضانات ورياض الأطفال توقّت جداول انصراف الأطفال على الثانية عشر ظهراً، وهذه الخدمات لا يمكن أن تغني عن مربيات المنزل لتغطّي دور الأمهات العاملات لعدد من الساعات حتى يعدن من أعمالهن. ولا يتغيّر الوضع كثيراً عندما يكبر الأبناء ويلتحقون بالمدارس، فتظل الحاجة لمن يرعى المنزل والأبناء حتى عودة الأهل من أعمالهم. ولذلك فإن عاملة المنزل ليست خياراً في ظل النمط المعيشي الحالي وأنظمة المدارس ودور رعاية الأطفال.

قد يكون الزمن الوردي في طريقه إلى الانحسار في ظل هبوط أسعار المورد الأساسي للموازنة الوطنية وانكماش الاقتصاد، بالإضافة إلى مصاحبة كل ذلك لطفرة سكانية ستخفض بلا شك نصيب الفرد من كل شيء وتؤثر في جودة حياته، ولن يكون ما قاله المشارك في الورشة، بعيداً عن الواقع في العودة بالاتجاه المعاكس؛ لكنه لن يكون سهلاً على الأفراد والأسر والمجتمع أن يستعيدوا قدرتهم الخلاقة في ترتيب شئونهم بعقلانية وواقعية، فتغيير نمط الحياة والاستغناء عن المساعدين يحتاج إلى إعادة التفكير في الخدمات المقدّمة من كافة المؤسسات ذات العلاقة بالأسرة، وتقديمها بشكل مفصل على الاحتياجات المرتقبة لهذه الأسر.

في الدول المتقدمة لا توظّف الأسر عمالاً يعيشون معها في المنزل، كما أن غالبية الأسر من الطبقة الوسطى تقتني مساكن مفصلة على احتياجاتها، وكل فردٍ فيها يكون مسئولاً عن ترك كل ما يستخدمه في هذا البيت كما وجده. ولا تحتار الأسر في إيداع أطفالها في دور رعاية تقدّم خدماتها على مدى يصل إلى 12 ساعة يومياً تنتقي منها الأسر ما يتناسب وساعات غياب الأم عن المنزل.

إعادة التفكير في الاعتماد الأساسي على عمّال المنازل بحاجةٍ إلى إعادة تفكير، ليس فقط لانحسار موارد الأسر إذا ما أخذنا في الاعتبار أن إجمالي الكلفة الشهرية للعاملة تتراوح ما بين 170 دينار شهرياً و220 دينار للراتب الشهري، ورسوم الاستقدام، وكلفة تذاكر السفر، عدا تكاليف السكن والمعيشة التي تتكفل بها الأسر التي تعمل لديها، ولكن أيضاً زيادة الوعي الحقوقي لدى الدول المستقدمة لهذه الفئة ولدى العاملات أنفسهن سيجعل إقامتهن مع الأسر بالشروط الحالية صعباً على الطرفين.

إن الوقت قد حان للإنكباب على عمل دراسات تسبر الأفق المنظور على الأقل، لترشد الجهات ذات العلاقة لكيفية الاستعداد للأوضاع المقبلة في أي اتجاه كانت، وعلى كل الأصعدة لتؤمّن لكل الأطراف انسيابية الذهاب إلى أنسب الحلول.



أضف تعليق



التعليقات 2
زائر 1 | 6:10 ص المسألة ليست مقتصرة على العمالةالمنزلية وانخراط المرأة في السلك الوظيفي.انما المسألة تشمل المجتمع بشكل كلي.فمع الطفرة النفطية في الخليج واستقدام العمالة الاجنبية للقيام بأغلب الأشغال اصبحت المجتمعات الخليجية تولد أجيال اتكالية سيكون من الصعب عليها تقبل الواقع القادم. رد على تعليق
زائر 2 | 4:21 م اختي هناء انت تتكلمين عن مرحلة وردية لم تعرف طعمها آلاف الاسر، تتكلمين عن كلفة عاملة توصل الى ٢٢٠ ، انا اعرف اكثر من عائلة بحرينية تعيش بمبلغ ٢٥٠ شهريا، كل واحد يشوف الحياة والوانها من زوايته في الحياة ياسيدتي الفاضلة، بارك الله فيك وفي قلمك رد على تعليق