المواطنة الحقة
الوطن، أي وطن، له مكونان، الأول المكون الطبيعي، المتمثل في الفضاء والأرض التي هي اليابسة والماء، ومواردها من الحيوان والنبات والجماد من المعادن والزيت، هذه الموارد التي تشكل الثروة في نواتها ومردود تنميتها، والثاني المكون البشري، المتمثل في الناس الذين استقروا في مساحته الطبيعية أي الأرض، واستثمروا وأنموا مواردها، واقتسموها بينهم بما استقر بهم الحال، عبر ديناميكية الأشياء وديالكتيكية الإنسان بما أسس وطور نظامه الاجتماعي، سواء على الصعيد الفردي أو المؤسسي، لتصل المجتمعات البشرية إلى مفهوم استقرار الأوطان وفداءاتها، من بعد احترابات ومنازعات بربرية وحشية أفنت الكثير من البشر والأخضر واليابس، إثر التنازع على الأرض بين البشر، في الانتقالات عبر الغزوات والمعارك القبلية والإثنية والعرقية والدينية والمذهبية والاستعمارية.
فكانت الثورة الاجتماعية، التي أفرزت النظرة المادية للأشياء التي تقاس بها معايير توزيع الثروة، هذه العملية التي تحتاج فئة تدير استثمار هذه الثروات وتنميتها، وموكول لها أيضاً أن تشرف على توزيعها بعدالة بين أفراد المجتمع، وأن تخضع هذه الفئة المديرة للثروة، لتشريع ورقابة المجتمع الشعبية المتمثل في عامة أفراده، عبر ممارسة حقهم الانتخابي الفردي المتساوي، وحفظ كرامة الأفراد، وتساويهم في الحقوق والواجبات وسيادة القانون، فبناء الأوطان انبنى على قاعدة تكامل المساهمة في البناء بين السلطات المنتخبة وشعوبها، التي لها الحق في إيقاع تداول هذه السلطة عبر العملية السلمية التي هي الانتخاب الحر النزيه، المنفصل عن أية سلطة داخلية أو خارجية أو أي تأثير لأيها.
وحين الحديث عن البحرين فقد حدد الإعلان رقم 20/1356 الصادر بأمر حمد بن عيسى آل خليفة حاكم البحرين (جد جلالة الملك) بتاريخ 8 مايو/ أيار 1937، حيث نص في مادته الأولى على «المدرجون أدناه يعتبرون حائزين على الجنسية البحرينية» وهنا الحديث عن حيازة الجنسية وليس جواز السفر. وحددهم الإعلان في جميع الأشخاص الذين ولدو في البحرين قبل أو بعد تاريخ هذا الإعلان، والأشخاص الذين ولدو خارج البحرين قبل أو بعد هذا الإعلان الذين آباؤهم أو أجدادهم من الأب كانوا مولودين في البحرين، والاستثناء كان لمن حمل أو أبوه جنسية أخرى.
من هنا بدأ توثيق المواطنة، فحتى بريطانيا السلطة الاستعمارية، حين نفت أعضاء هيئة الاتحاد الوطني في الخمسينات، لم تسقط جنسياتهم لذا عاد من أطال الله في عمره إلى البحرين بمواطنته، فلا يجوز إسقاط الجنسية إلا عمن تنازل عنها، أو التحق بجيش دولة عدوة في حرب على البحرين، وهو الجرم الذي يوصف بالخيانة العظمى، أما كل ما دون ذلك فتوجب لقانون العقوبات أن ينص على عقوبة لكل جرم، يوقعها القضاء دون المس بالجنسية، تطبيقاً للمبدأ الدستوري والقانوني والحقوقي والقضائي والإنساني «العقوبة شخصية» والنص الديني «وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزرَ أُخرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُم مَرجِعُكُم فَيُنَبِّئُكُم بِما كُنتُم فيهِ تَختَلِفونَ» «الأعراف:164»، من حيث أن حتى عقوبة إسقاط الجنسية متى ما استحقت لخيانة عظمى، لا يجب أن تنسحب على من اكتسبها بحكم البنوة لأب أسقطت جنسيته، وخاصة القُصَّر، إذ هي تتجاوز الدستور بمد العقوبة إلى غير صاحب الجرم.
من هنا فكل الحقوق والواجبات تحتسب على أساس المواطنة، ولا شيء غيرها، لا دين ولا مذهب ولا معتقد، ولا أصل ولا فصل، لا يجب أن تكون الكراهية والفتنة هي النتيجة، وتتمثل أساساً في الانقسام إلى فريقين، من السهل جداً التفريق بينهما، فيكون هناك فريق منتهكة حقوقه وأمنه ومضطهد، ويعاني من التمييز السلبي على جميع الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، إلى الحرمان من العمل وعيشه الفاقة، ليبدأ في المطالبة بكل ما افتقر إليه، بل يسانده في ذلك فريق امتشق سلاح كلمة الحق، ويزن بميزان العدالة المواطنية حقه بحق الآخر المختلف.