شرعنة العنف اجتماعياً
تواجه مجتمعاتنا المحلية - والعربية بشكل عام - تحدي منهج العنف والتطرف المؤدي إلى ممارسة الإرهاب بصور وأشكال مختلفة، مما ينتج عن ذلك أضرار وخسائر متواصلة على الصعيد المعنوي والبشري والمادي. ومهما تكن المسوغات التي تطرح كمبررات لهذا السلوك وممارسته كالتربية أو القهر الاجتماعي مثلاً، فإن الغرض من استخدام العنف مرده المنافسة لإثبات سلطة مجموعة ما وأفضليتها على الآخرين والإشعار بالتفوق عليهم بالقوة.
بطبيعة الحال، يدفع المجتمع كلفة هذا التنافس من رصيده من الاستقرار والأمن، ويتضرر كل أفراده بشكل أو بآخر حيث تنعكس هذه الأضرار على مصالحهم ومكاسبهم. وبعيداً عن الأوضاع السياسية ذات العلاقة، فإن المجتمع أحياناً يحاول أن يتعايش مع هذه الحالة ويوجد لها مبررات مقبولة داخله تعفيه من موقف الإدانة الواضحة أو الوقوف محايداً تجاهها. إن من أسباب ذلك عدم قدرة أفراد المجتمع على التعرف والتعامل الصحيح مع مشاعرهم وإدارتها والتحكم فيها، بحيث يتحول ذلك إلى صورة من صور الحياد أو التأييد السلبي للعنف وممارساته. ما نشاهده في مناطقنا حالياً من أعمال عنف متكررة كحالات الاختطاف والاغتيال والقتل لرجال الأمن، وتخريب للممتلكات العامة والخاصة هي مشاهد تعكس مدى استغلال جماعات العنف لحياد أو صمت مجتمعي وتوظيفه كوسيلة لشرعنة هذه الأعمال ومواصلة ممارستها. ومع أن مواجهة أعمال العنف والإرهاب والتصدي لها هي مسئولية الدولة بالدرجة الأولى، إلا أن الدور الاجتماعي الواضح والموقف الصريح تجاه أي عمل عنفي من قبل المجتمع هو ما يكشف الادعاء الزائف بشرعيته. لعل من أبرز مشكلات مجتمعاتنا العربية أن الأكثرية الصامتة غائبة ومغيبة عن التصريح الواضح بمواقفها، وعادة ما يترك المجال أمام القلة المتطرفة والمتشددة لتكون هي سيدة الموقف ومختطفة المشهد العام. إنه لمن الواجب أخلاقياً ووطنياً أن ترتفع الأصوات المنددة بممارسة العنف وتدينه بكل وضوح وشدة وتستنكر هذه الممارسات التي تضر بمصالح الناس وأمنهم.
ولمواجهة ما يجري في منطقتنا - محافظة القطيف تحديداً - من أعمال عنف متواصلة كان آخرها الاعتداء المسلح الآثم على نائب رئيس المجلس البلدي السابق نبيه البراهيم وغيرها من قتل لرجال أمن واختطاف لشخصيات اجتماعية، فإنه ينبغي أن تتضافر الجهود الرسمية والأهلية وتتكامل كي تحاصر هذه الجماعات المتطرفة ويعالج الانفلات الأمني من جذوره.