أيها العجز... لستَ منا... نحن الأجنحة في حُفَر العالم
العجز هو ألَّا تعيَ العالم من حولك. أن تكون خارج كل سياق. أن تكون عبئاً على العالم أساساً. العجز أن ترى الضوءَ محرقة، والنهارَ جحيماً. ألَّا كينونة لك، وبالضرورة لا معنى لك. العجز أن تكون قادراً على التغيير... التأثير فتنحاز إلى النأي بنفسك عمَّا يدخلك في مآزق مع العالم. ذلك عجز خام... عجز محض. العجز أن تملك الطاقة والقوة وموهبة التأثير ولكنك تتعالى على الذين يحتاجون كل ذلك. ذلك يعني في صورة أو أخرى أن لا طاقة ولا قوة ولا موهبة ولا تأثير لك على كل ذلك. التأثير الذي يحقق الأفضل، ويعيد التوازن إلى أكثر من اختلال.
العجز هو ألَّا تكتشف الطاقات الكامنة فيك، فتذهب في الاتجاه المعاكس. الاتجاه الذي يعمل على تكريسك عالة وهامشاً ومتفرِّجاً غبياً. متفرِّجاً فائضاً، في عالم لا ينقصه المتفرِّجون. والعجز أيضاً أن تملك القدرة على تحويل ما ومن حولك إلى أثر بعد عين. إلى عدم ماثل. عدم هو في مركز أن يكون عبْرة. العجز موت برسم عذاب التأجيل. هو النكرة، والغياب في وفرة الحضور. تحذير فاقع يمكن رفعه شعاراً للذين لا علاقة لهم بهذا العالم.
كيف يمكن لأي منا أن يسمو؟ أن يسمو بنفسه أولاً، ويتمكَّن في الوقت نفسه من أن يتواصل مع من وما حوله ثانياً؟ لم يكن السمو منحة بقدر ما هو استعداد وتأهيل لأن تكون مختلفاً وتقبل الدخول في تحديات تؤكد مواهبك في السخرية من فجائع الحياة. هو هناك في المواقف الفارقة... المواقف الصعبة والمكلفة، تلك التي ترتقي بك درجات تُرهق الذين ينظرون إليك من مواقعهم. أن تكون أكبر مما ومن يستدرجك كي تكون صغيراً، وفي مرحلة لاحقة، كائناً لا يمكن رؤيته بالعين المجرَّدة، ليس لفرط عدمه، بل بسبب عدم جدواه، ولا فرق بين أن يكون حياً أو ميتاً. هو في الحالين ميت. وتلك هي الكارثة، ألَّا تقف على فارق بين الحياة والموت. أن تنتشل آخرين من حُفر وطوامير. من عوالم سفلية، إلى عوالم تحت الشمس واختبار الإمكانات والقدرات. أن تكون رافعة للذين لا يجدون من ينتشلهم من هذه العتمة التي تكاد تتحول إلى سوار في معصم ورقبة ونظر العالم!
أن تتجاوز ألمك الذي يبدو مُقيماً، وهو العابر مهما طال به الزمن. ألَّا تنتظر أثر ما صنعت للآخرين، مادمت تختبر فيه حيوية ضميرك، وانتباه حواسك. وأن تكون على استعداد لتكرار المحاولة مهما تعرضت إلى امتحان الخيبة والتخوين؛ إذ لا معنى ولا أثر للخيبة وقتها!
في الاشتغال على المعنيين... المفهومين: العجز والسمو، يتبدَّى أن الأول لا يمكن أن يحظى بالسمو. العجز هنا بمعنى تعطيل الطاقات، لا العجز الوظيفي الذي يحد من حركتك أو رؤيتك أو سمعك أو استشعارك، عبر عديد الحواس. كما يتبدَّى أن السمو لا يمكن أن يكون مُصاباً أو ضالعاً في العجز. السمو تحليق إلى البعيد، وهذه المرة بأجنحة من مواقف، وحضور إنساني في الذروة من حساسيته. أن يجد فيك الآخرون قيمة تغيير لم تتأتَ لهم.
السمو أن تكون على استعداد من دون تواضع مصطنع لتصغي... لتتعلَّم... لتغيِّر بما يحقق الحسم في الماثل... المقيم... الذي يبدو وكأنه الأبد. بين العجز والسمو ذلك الخيط الرفيع. خيط أن تحدِّد أين تريد أن تكون؟ ما الذي تريد أن تكونه؟ ما الذي يمكنك أن تحققه وسط ظروف وبيئات طاردة لكل مبادرات تعمل على تغيير ما هو قائم. قائم بالخلل والهشاشة وتجبير الكسور. الكسور الذي هي أساساً متهرِّئة وعلى مقربة من أن تكون على مصاهرة مع الرماد. ما يفصل بين المفهومين، هو خيار كل منتمٍ ومنحاز إلى أحدهما.
كل يمكنه، ووحده من يقرر قدرته على تحقيق نبوءة تشبهه: ألّا يكون سواه. أن يُضيف إلى العالم ولو ابتسامة في هذا التجهُّم العابر للقارات. أن يكون طفلاً في كهولته، وحكيماً في طفولته. ألَّا يدع طفولته تتمرد عليه. أن يربِّيَها... يتعهَّدَها... يكون أباً وابناً لها! بين العاجز والآمل في سموه ذلك الدرس الذي لا يُراد لكثيرين أن يقفوا عند حدوده: درس أن تحيا بشرطك. ألَّا تدع طاقاتك في خانة الفرْجة في الوقت الذي يتجاوزك الآخرون بسخرية، ولا يترددون في دلع ألسنتهم وأنت قابع هناك في وهْدة خيبتك. لا تنتظرَّن أيها الخائب معجزة تعيد لك اعتبارك. أنت من لم يجعل لنفسه اعتباراً. أنت وحدك من يمكن صنع المعجزة؛ بل وحدك المعجزة.
أيها العجز: لستَ منِّا. أيها السمو: خلقنا لنبتكر أجنحتنا في حُفر ومجهول العالم. أيها العاجزون: سئمنا فائضكم في هذا العالم. أيها المحلّقون كيف تأتَّت لكم كل هذه الرحابة في ضيق الأرواح وحتى العالم؟