مؤهلات المليونير
كثيرٌ من الناس من يحمل في ثنايا عقله الأمل والطموح والرغبة في دخول عالم الاستثمار والمستثمرين، ويتمنون بأن يصبحوا يوماً ما رجال أعمال ناجحين، منهم من يبذل قصارى جهده في التعلم والالتحاق بدورات لصقل مواهبه الاستثمارية والإدارية، وفي قراءة الكتب التي تتحدّث عن طرق الوصول إلى الثراء. ولكن الأمر الذي يجهله كثيرون هو أن هذه المهنة قد لا تحتاج إلى مؤهلات علمية، ولا تتطلب أن يكون ممارسها متعلماً يحمل شهادة تخصصية في الاستثمار أو الاقتصاد أو أي تخصص علمي آخر؛ بل إن كثيراً من أنجح المستثمرين ورجال الأعمال الأثرياء في العالم لم يكملوا تعليمهم الابتدائي، ولا يتقنون غير لغة الأم، والبعض منهم كان في الواقع فاشلاً في الدراسة وفي عمله وفي حياته الاجتماعية، ومنهم من حُرم من التعليم، وعانى الحرمان والظلم والفقر المدقع في صغره، وعلى رغم ذلك حقق نجاحاً غير مسبوق في التجارة والاستثمار، واستطاع أن يكوّن له ثروةً هائلة.
كثيرٌ من نجوم السينما مثلاً (مع كل تقديري واحترامي لهم ولمهنتهم الراقية) أثرياء ويحصلون على أجر أكثر بكثير من أجر الأكاديميين والمعلمين والأطباء وأصحاب التخصصات العلمية النادرة.
يعتقد البعض أن كل مليونير يتمتع بمستوى رفيع من الذكاء، أو صاحب شهادة جامعية علمية في الاستثمار أو العلوم الإدارية، وأن هناك علاقة طردية بين الثقافة والتعليم والثراء. رجال الأعمال هم صنفان، صنف يعتمد على الطرق غير الشرعية لخلق مملكته المالية، والصنف الآخر يعتمد على موهبته الفطرية وقدراته العملية. الأول ليس موضوع الحديث هنا ولكن يمكن القول أن المال والثروة يخلقان الوجاهة في المجتمع.
إن ما يميّز الصنف الثاني من رجال الأعمال عن غيرهم هو الموهبة والفطرة التي تمكنهم من دخول مهنة الاستثمار، وهم في سن مبكر ومن دون الحاجة للإلتحاق بالجامعة. هذه الموهبة كوّنت لديهم فن الإدارة، وروح المغامرة والمجازفة التي تدرس نظرياتها في الجامعات والمعاهد، وتمنح شهاداتها بعد اجتياز امتحانات مهنية. المؤهلات لا تعني بالضرورة الإبداع والنجاح في الاستثمار، وإدارة الأصول والشركات ولا تعني أبداً الثراء. النجاح في العمل الحر يعتمد أولاً على الحالة الذهنية والعقلية، وليس على سيرة ذاتية تكتظ بالمؤهلات العلمية، والتي قد تكون عائقاً في بعض الحالات وليس عامل نجاح.
رجال الأعمال أصحاب الفطرة والموهبة يعتقدون أن صناعة المال ليست مكافأةً لمؤهل علمي؛ وإنّما نتيجة لمهارة معينة هم يتميزون بها عن الآخرين، مثل لاعب كرة القدم الذي لديه مهارات عالية تميّزه عن الآخرين. أعرف زملاء نجحوا من خلال مهاراتهم وذكائهم المميز في الدراسة والعمل في جمع ثروة مالية هائلة، قد تصل إلى أكثر من مليوني دينار إلا أنهم تنقصهم الموهبة والشجاعة في استثمار ومضاعفة مدخراتهم، والهاجس الذي يراودهم كل يوم قبل النوم هو: هل سيكون غداً هو اليوم الذي سيفقدون فيه مدخراتهم؟
يقول الكاتب بول ماكينا في كتابه «أستطيع أن أجعلك غنياً»، إن من يريد أن يصبح رجل أعمال ومستثمراً ينبغي عليه أولاً وبشكل حيوي أن يعيد برمجة عقله الباطن، وتوجيهه إلى الكيفية والشكل الذي يريده أن يكون، ومن ثم يركز باستمرار على ما يريد من تحقيقه. فالدخول في عالم الاستثمار والاقتصاد قد لا يحتاج من المستثمر أن يتخرج من الجامعة بدرجة امتياز، ولكن يتطلب منه وبشكل تدريجي أن يقوم بتنشيط وتأهيل عقله من خلال التفكير بطريقة ثرية وليس بطريقة فقيرة. فالهدف والرغبة التي ترسمها في عقلك هي التي ستحدّد نوع هذا التأهيل والفترة الزمنية التي تحتاجها للوصول إلى درجة النضج في العقل الاقتصادي والاستثماري. فعندما تفكّر بطريقة ثرية ستجد نفسك تبحث دائماً عن الإمكانات وتعيش حياتك بالشروط التي تضعها أنت. أما إذا كنت تفكر بطريقة فقيرة فسيكون عقلك مليئاً بالمخاوف من المستقبل والمخاطر، وليس لديك الثقة في قدراتك، وتكون مجبراً على المحافظة على كل ما تمتلكه من مال وأصول. وحتى تفكيرك يكون محصوراً في الهدف الضيق الذي ترسمه لنفسك.
فإن كنت مثلاً تريد أن تعمل لأجل الحصول على وظيفة براتب شهري، ستجد نفسك تلقائياً تبحث فقط عن الوظائف التي تتطلب منك القيام بمهام معينة مقابل أجر معين، وسينتهي بك المطاف إلى وظيفة اعتيادية. أما إذا كنت تعتقد أنك تستحق أن تكون رجل أعمال ومن الأثرياء ستجد عقلك يبحث بشكل تلقائي عن الفرص التي تجعلك ثرياً، كما أنك ستشعر كمستثمر أن لديك حاجة لخلق الموهبة والقدرة الكافية للتعامل مع مختلف التحديات التي تحيط بالعمل. دنيس ويتلي مؤلف كتاب «سيكولوجية الدوافع» يقول: «تتحكّم قوة رغباتنا في دوافعنا وبالتالي في تصرفاتنا».
رجل الأعمال الناجح يتميّز أيضاً بشجاعةٍ مميزةٍ في اتخاذ القرارات المحفوفة بالمخاطر، ويتمتع بإرادة قوية في قول كلمة لا للقرارات المتهورة التي يرى أنها تضر بمستقبل أعماله.