سباق الأخبار الكاذبة... سباق لخلط أوراق السياسة
مع ثورة عالم الاتصال الرقمي وتدفق المعلومة والصورة والفيديو عبر وسائط متعددة، أصبح هناك مجال لنشر الأخبار الكاذبة والمفبركة التي تسعى إلى التشويش والتأثير على الرأي العام بأي شكل من الأشكال.
ويرى مراقبون أن الكثير من المواقع بدأت تجني الكثير من الأموال من خلال نشرها للأخبار الكاذبة، بينما أصبحت مصدر قلق لدول وحكومات تنفي الخبر في لحظة انتشاره مع أي حدث، وهو لا يقتصر على دول الغرب المتقدم؛ بل حتى في ظل التعتيم الإعلامي ومنع تداول المعلومة في دول المنطقة العربية، ما دفع بعضها إلى نشر النفي إن كان الأمر يهز أركان الحكومة ويسبب إزعاجاً لها.
أما على مستوى الأفراد، فكثير ممن صدق هذه الأخبار (فيك نيوز) ووقع في فخ نشرها وتوزيعها على الأصدقاء والأقارب، ليكتشف لاحقاً أنها ليست إلا خبراً مفبركاً يقلب الحقائق ويخلط الأوراق السياسية أو الحدث الاجتماعي أو الاقتصادي؛ لكن في الغالب هو يهدف إلى تضليل الشارع خاصةً مع الملفات السياسية المختلفة.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد كتب: «ساعدوني على وقف الأخبار الكاذبة! أجروا استطلاعاً عن وسائل الإعلام، وقولوا لي أية وسائل إعلام تعتبرونها الأسوأ».
وكان الاستطلاع الذي تم نشره على الموقع الشخصي لترامب ويحتوي على 25 سؤالاً، على وجه الخصوص طلب الرئيس الأميركي تقييم مدى صدقية وسائل الإعلام، وعمّا تقوم بإبلاغه للأميركيين بشأن رئاسته وسياسة الحزب الجمهوري بشكل عام. ومن بين وسائل الإعلام الرئيسية في الاستطلاع يذكر فقط، «سي إن إن، فوكس نيوز، أن بي سي». وقد شهد المجتمع الأميركي صداماً بين ترامب وبعض وسائل الإعلام البارزة، بينها قناة «سي إن إن» وصحيفة «نيويورك تايمز» وغيرهما، وذلك بعدما نشرته وسائل الإعلام من تقارير بشأن علاقات مزعومة لفريق ترامب بروسيا.
بشكل عام إن اختراع الأخبار الكاذبة هدفه التضليل أو التسلية، لكن مع وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تروج بشكل يجعل تمييزها عن الأخبار الحقيقية صعباً. والخبر الكاذب يصبح مثل الفيروس القاتل وبالتالي البحث عن طرق للوقاية.
وهو ما دفع علماء في جامعة كامبريدج إلى السعي لتطوير «مصل» للوقاية منها. وفي تقرير نشرته «بي بي سي» في ( 27 يناير/ كانون الثاني 2017) قال برفيسور ساندر فان دير ليندن من جامعة كامبريدج إن «هناك مئات المواقع التي تنشر الأخبار الزائفة، بينها مواقع تقلد الصحافة الحقيقية وأخرى تديرها حكومات بهدف الدعاية، وبعضها تهدف للدعابة، لكن خيطاً رفيعاً يفصلها عن الأخبار الحقيقية الزائفة ويصدقها الكثيرون».
وقد كشف السباق الانتخابي الأخير الذي جرى في الولايات المتحدة الأميركية، مسألة انتشار الأخبار الكاذبة المزيفة وسرعة تصديقها، إذ أصبحت أكبر وأخطر من أي وقت مضى. وهو ما يثير اليوم قلق أوروبا مع اقتراب انتخابات حاسمة في فرنسا وكذلك في ألمانيا في العام الجاري بعد تجربة نتائج الاستفتاء الخاطئة في إيطاليا.
وعلى رغم أن الأخبار الكاذبة والمزيفة ليست وليدة اللحظة على شبكة الإنترنت، إلا أن الانتقادات الكثيرة دائماً ما تطال موقعي «الفيسبوك» و»غوغل» تحديداً بشأن هذا الأمر -وبصورة أخف موقع «تويتر»- لما لهما من شعبية قادرة على تغيير الكثير من المسارات والتوجهات بعد أن أصبحت المصادر الشعبية الأولى في معرفة الأخبار، وتداولها بين جمهور المستخدمين.
المدير التنفيذي لشركة «فيسبوك» مارك زوكربيرج أصدر في منشور له على «الفيسبوك» بعد الانتقادات التي تم توجيهها له في هذا الشأن، بأن الأخبار الكاذبة المنتشرة على موقع الفيسبوك ليست بتلك الصورة المخيفة، وفي مسعاه لتبرئة موقعه من هذا الأمر، قال بأن «99% من المحتويات الموجودة على الفيسبوك هي محتويات صحيحة ويمكن الوثوق بها».
فموقع فيسبوك سطع اسمه بقوة مثلاً في سباق الانتخابات الأميركية 2016، ووُجّه له عدد من الاتهامات والانتقادات في موسم الانتخابات الأميركية منذ بدايتها، ما حدا ببعض كبار الموظفين في فيسبوك بتشكيل مجموعة سرية غير رسمية لمواجهة هذه المشكلة التي قد تطيح بصدقية الموقع مستقبلاً. وقد اتفقت بأن مسألة انتشار الأخبار الكاذبة موجودة على الموقع خاصة في موسم الانتخابات الأميركية على رغم نفي مؤسس الموقع لهذا الأمر. ومن ضمن الأمور التي تم اتخاذها هو تحديث لصفحة الأخبار «نيوز فييد»، لكن هذا الإجراء كان له أثر سيء على بعض المواقع الإخبارية المختلفة.
وتلقى اليوم مجموعات أميركية كبيرة باللوم على الأخبار الكاذبة التي جرى تداولها خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية، إذ كان لها دور في فوز الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب، بينما يخشى آخرون من أن تساعد هذه الأخبار في تقدم الأطراف التي توصف باليمينية في انتخابات بعض دول القارة الأوروبية، وفي خلط أوراق السياسة بشكل خطير يقلب مفاهيم الحريات وحقوق الإنسان وتقاليد الديمقراطية التي تأسست عليها دول الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص.