الابتكار المقتصد Frugal Innovation
تتمكن بعض المؤسسات من تحقيق ميزة تنافسية على الآخرين من خلال إمكانات مقتصدة frugal capabilities، ومثل هذا النهج يتطلب تعاملاً من نوع مختلف. المؤسسات من هذا النوع تقتصد في استهلاك الموارد الاستهلاكية والوقت والمال، بالإضافة إلى تجنب أو تقليل النفايات ومنع الإسراف والتبذير، وبذلك تتمكن من صناعة السلع، أو تقديم الخدمات، بطريقة منضبطة، وبأسعار تنافسية، وتحقق من خلال ذلك نمواً وإنجازات بعيدة المدى. وتشمل الاستراتيجيات التي يمكن اتباعها في هذا المجال: تحدي الأعراف السائدة والسبل باهظة الثمن، وتوسيع الاعتماد على الخيارات المتحررة من الكلفة العالية.
وفي كتابهما الذي حمل عنوان Frugal Innovation الذي صدر في 2015 عن «الايكونوميست» شرح المؤلفان نافي راجو Navi Radjou و جايديب برابو Jaideep Prabhu كيف يمكن للمؤسسات استخدام «الابتكار المقتصد» لخلق منتجات ذات جودة عالية بموارد محدودة. وقدر المؤلفان حجم السوق التي تحتاج الى الابتكار المقتصد بنحو تريليون دولار، واعتبرا ذلك النهج ثورة تعيد التفكير في الرؤى والأساليب.
ولقد أشارت فصلية strategy+business في عددها الشتائي في 2015، إلى ما يمكن أن تتعلمه الشركات الرائدة في البلدان المتقدمة من شركات الأسواق الناشئة، في كيفية توسيع أعمالهم عبر استراتيجيات تعتمد على الإمكانات المقتصدة.
لقد طرحت شركة «تاتا» الهندية سيارة «نانو» بسعر 2000 دولار منذ العام 2008، ولكن بعض هذه السيارات كانت دون المستوى في الأداء، كما ان الهنود لم يرغبوا في سياقة سيارة تحمل شعار «أرخص سيارة في العالم». وعليه، فإن الحل يكمن في إتباع «الابتكار المقتصد».
ففي الصين، مثلاً، قامت وحدة الأبحاث والتطوير التابعة لشركة «سيمنز» بتصميم جهاز للتصوير المقطعي يسهل على طواقم المهن الصحية (من غير الأطباء) استخدامه. ولتطوير هذا الجهاز، نفذت وحدة الأبحاث عصفاً ذهنياً على طريقة design thinking لإعادة ابتكار التصميم، جمعت من خلال ذلك المستخدمين وطورت الأفكار باستخدام ورق ملون لبناء نماذج من أجل الحصول على فكرة واضحة عمّا يريده المستخدمون. وقد وجدت الشركة أن أجهزة التصوير المقطعي في المستشفيات الغربية (أوروبا وأميركا) تستخدم لمجموعة واسعة من الأغراض، بما في ذلك الكشف عن الأمراض غير العادية. ولذا فإن الإعدادات والضوابط معقدة جداً، وهذا يستوجب تدريب المشغلين باستمرار. غير أن المستخدمين الصينيين يهتمون ببعض الأساسيات فقط، مثل تشخيص الإصابات والأمراض الشائعة في الأشخاص الذين يمارسون الرياضة مثلاً. وبعد أن تحدث مشغلو الأجهزة عن احتياجاتهم، تم إعداد نماذج توضيحية، وبعد ذلك تم الاتفاق مع «سيمنز» لإنتاج ماسح ضوئي يتميز بالسرعة والبساطة، ويستهلك طاقة أقل لمعالجة الصور المقطعية، ويخفض تكاليف العلاج بنسبة 30 في المئة، ويقلل من الإشعاع بنسبة تصل إلى 60 في المئة.
مثال آخر اتبعته شركة صناعة السيارات الفرنسية «رينو»، ومن خلال هذه الاستراتيجية المنخفضة الكلفة طرحت موديل «كويد» Kwid للسوق الهندية بقيمة 5 آلاف دولار للسيارة الواحدة. والسيارة التي طرحت في الهند تتميز بالمظهر الرياضي، وتشتمل على العديد من العناصر المبتكرة، مثل إطارات قوية ومحرك كفوء في استهلاك الوقود، وذلك لتلبية احتياجات النقل في الدول النامية. طرحت السيارة في الهند في نهاية 2015 لتلبية طموح المستهلكين من الطبقة المتوسطة، الذين يسعون لامتلاك سيارة تجمع بين القدرة على تحمل الكلفة، والأناقة، والموثوقية، واشتملت الخطة على طرح نماذج منها في أسواق ناشئة أخرى في الصين وروسيا وإفريقيا والبرازيل وأوروبا الشرقية، وجنوب شرق آسيا.
إن نقطة الانطلاق تكمن في خلق ميزة تنافسية للشركات التي تواجه منافسة سعرية شرسة من منافسين منخفضي الكلفة، ولاسيما في الأسواق الناشئة مثل الهند والصين. كما أن ذلك يسهل على الشركات ممارسة التطوير بسرعة والاستفادة من الزخم لإطلاق حلول أخرى وتوسيع مشاركتهم في السوق أمام الآخرين.
ولكن من أجل البقاء في صدارة المنافسة واكتساب ميزة الاستدامة، فإن الشركات تحتاج إلى تطوير أنموذج مستدام للأعمال؛ للحفاظ على قدرتها التنافسية، عبر إعادة صوغ العمليات والممارسات التي يطبقونها داخل الشركة لتجنب النفايات. وهذا ينطوي على إعادة تصميم التسلسل الكامل لإنتاج القيمة بما يشمل: البحث والتطوير، الإنتاج، التوزيع، وخدمة العملاء. ويجب تضمين الإجراءات المنخفضة الكلفة في جميع العمليات المتسلسلة، وقد يشمل ذلك إنشاء «مختبر الابتكار المقتصد» Frugal Innovation Lab لاختبار الممارسات والعمليات الجديدة بانتظام، وتكريس جزء من جهود البحث والتطوير لتسريع وتوسيع نطاق المبادرات الداخلية في هذا المجال.
إن عدداً من الشركات في الدول الغنية وجدت في هذا النهج طريقاً لإعادة النظر في منتجاتهم وخدماتهم، وبعضهم يلجاً لـ «التعهيد الجماعي» crowdsourcing للحصول على أفكار لتطوير المنتجات، وقد حولت شركة «فورد» مستودعاً لها في مدينة ديترويت الأميركية الى مختبر للابتكار، حيث يمكن للموظفين قضاء وقت فراغهم لتجريب التكنولوجيات الجديدة.