نظام أمني إقليمي... ليس مهمة مستحيلة
مداخلة الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في «حوار المنامة» يوم أمس أوضحت بعض أسباب عجز الجامعة عن القيام بدورها؛ إذ قال إنّ اللاعب الأهم في المنطقة هي الولايات المتحدة الأميركية، وهي تمُرُّ بتحوُّلات كبيرة، ولديها رئيس منتخب ربما يقوم بتغيير في التوجُّهات الأميركية، ولا أحد يعرف إلى أين سيسير... فهل سيحافظ على الاتفاق النووي أم سيُلغيه؟ وهل سيُكمل ما بدأه أوباما من التحوُّل نحو التواجد في شرق آسيا بدلاً من الشرق الأوسط أم سيكون له توجُّه آخر؟ كما أن هناك دولاً في حالة صعود، وهناك ملامح لعودة الحرب الباردة، وهذه مسرحها الرئيسي منطقة الشرق الأوسط. كما أن إيران لها تصوُّر بأنها مُهدَّدة في وجودها، وهو تصوُّر مناقض لما تحمله الدول الأخرى عنها، وأن على إيران أن تعدل من نهجها.
أبو الغيط طرح الكثير من الأسباب لتبرير عجز الجامعة العربية عن القيام بدورها، ولاسيما الخلافات العربية، وعدم إشراك الجامعة العربية في الملفّات المهمة. وبعد ذلك، طرح خمسة مبادئ كشروط لإقامة نظام أمني تعاوني مستقبلاً، وهي كما يلي:
أولاً: احترام السيادة وعدم التدخل في الشئون الداخلية، ورفض طرح أيّة دولة بأنها مسئولة عن حماية طائفة ما في هذا البلد أو ذاك، على أن يكون الحكم في كُلِّ دولة مقروناً بالحكم الرشيد والعدالة وعدم تهميش أيّة فئة؛ وإلا فإنّ الاستقرار سيكون هشّاً.
ثانياً: رفض تغيير الحدود الحاليّة بين الدول؛ لأنّ تغييرها سيخلق مشاكل أكثر مما يَحلُّ أخرى، ولاسيما أنّ الحدود التي وضعتها اتفاقية سايكس بيكو في 1916 تكرّست وتطوّرت عليها كيانات وطنيّة، وهذا واقع قائم وليست هناك ضمانات بأنّ أيَّ بديل سيكون أفضل.
ثالثاً: اعتماد اللامركزية في الحكم؛ وبذلك تضمن الطوائف والمذاهب والأقليّات الحصول على حقوقها تحت ظلِّ الدول الوطنيّة.
رابعاً: الوصول إلى تسوية عادلة وشاملة للصراع العربي-الإسرائيلي، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وكذلك إنهاء احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث.
خامساً: يجب منع أيّة دولة من امتلاك أسلحة الدمار الشامل، وأن يسري هذا على الجميع بمن فيهم إسرائيل التي تمتلك السلاح النووي، وإيران التي قد تسعى لامتلاكه، وذلك التزاماً بمبدأ حظر الانتشار.
كما أشار أبو الغيط إلى أنّ منطقتنا لا يمكن أن تكون لديها عملية سياسية-أمنية كتلك التي حدثت في أوروبا أثناء الحرب الباردة، التي وقّعت في ما بينها على «عملية هلسنكي» في العام 1975، وهي الاتفاقية التي أسست لنظام أمني-تعاوني بين الدول الأوروبية بشقَّيْها الغربي والشرقي. فعلى رغم أن الحرب الباردة كانت تهدد بنشوب حروب تُمزِّق القارة الأوروبية إرباً، إلا أنّ اتفاقية هلسنكي طرحت إمكانية التعايش السلمي بين الأنظمة السياسية المتناقضة فيما بينها على أساس احترام السيادة الوطنيّة لكُلِّ دولة، وحَلِّ الخلافات بالطرق السلمية وعدم استخدام القوّة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام حقوق الإنسان والحريّات الأساسية وحق الشعوب في تقرير مصيرها، الخ. هذه المبادئ صالحة ويمكن البدء بها في منطقتنا، وليس بالضرورة أن تكون هناك شروط نظرية أو تعجيزية لتفعيلها.