حفلات الأعراس على وقع أزيز الرصاص
عندما نقرأ عن عادات الشعوب القريبة منا أو البعيدة، كنا نتعجب حتى الذهول من وابل الرصاص الحي الذي يتساقط على رؤوس الحضور في حفلات الزواج، فكثيراً ما تتحوَّل تلك الأفراح إلى مآتم وأتراح، بل يتحوَّل بعضها إلى مجازر ومذابح تفوح منها رائحة الدماء بدلاً من رائحة الطيب والبخور.
نحن في البحرين اعتدنا على مشاهد جميلة وبريئة، في أفراحنا وأعراسنا فبدلاً من زخّات الرصاص الحيّ التي تستخدمها بعض الشعوب للتعبير عن أفراحها، لدينا هنا تتساقط على رؤوس العرسان وذويهم وأحبّتهم، شتلات الياسمين والرازقي والمشموم، أو الدراهم التي كنا نتصارع عليها بحُبٍّ ووُدٍّ تحت أقدام العريسين، هذا هو المشهد الذي عشناه، فهو راسخ لا يسقط من الذاكرة مهما تقادم الزمن.
ما شاهدناه على وسائل التواصل الاجتماعي من مشاهد لإطلاق نار، ورصاص حيّ، قيل إنه في حفل زواج بإحدى مناطق البحرين، هو أمرٌ غريبٌ على عاداتنا وتقاليدنا، وهو لا يمُتُّ لمراسم الزواج المعروفة في هذا البلد بصلة أبداً.
حتى الشعوب التي تعتبر هذه العادة الحمقاء جزءاً من ثقافتها وتاريخها صارت تتنصّل منها، بل وتعاقب عليها؛ لأنها ضاقت بها ذرعاً لكثرة ما سفكت هذه الطلقات المتناثرة في الهواء من دماء، ولكثرة ما خلّفت من أشلاء؛ ففي مدينة واحدة في اليمن على سبيل المثال، وخلال ثمانية أشهر فقط، سقط بفعل إطلاق النار العشوائي في الهواء 20 شخصاً بينهم 14 طفلاً و5 نساء، هذا فضلاً عن أكثر من 60 جريحاً أصيبوا للسبب ذاته! وتقول وسائل الإعلام إن هذه الإحصائية لا تشكل أكثر من 20 في المئة من العدد الحقيقي للإصابات خلال تلك الأشهر الثمانية فقط!
قصص الأعراس التي تحوّلت إلى مآتم كثيرة ولا تكاد تخلو منها وسائل الإعلام يوميّاً، ومن المؤسف أنّ غالبية ضحاياها من الأطفال والنساء الذين تتحنّى أياديهم بالدماء، وتتبدّل زينتهم بالأكفان، بفعل طلقات طائشة تريد أن تفرح فتذبح، وأحزن الحزن جنازة في زفاف.
حسناً فعلت وزارة الداخلية التي أكدت بأنها اتخذت الإجراءات القانونية اللازمة تجاه قضية إطلاق رصاص في حفل عرس، بحسب ما ظهر في مقطع فيديو متداول، فهذه الطلقات كانت صدمة على المجتمع البحريني الذي لا يزال يتساءل كيف حدثت!
ونتمنّى من وزارة الداخلية إطلاع الرأي العام على حيثيات هذا الموضوع، بعد استكمال الإجراءات القانونية، وخصوصا أننا لم نعتَدْ بأن تُشهَر قطع السلاح في المحافل العامّة بهذه الطريقة وكأنها لعبٌ أو دُمَى يتلاقفها الأطفال في مدينة ملاهٍ.
اعتدنا في البحرين أن يكون السلاح بيد رجال الأمن فقط، لاستتباب الأمن وتوفير الأمان والاطمئنان، أمّا أن نستبدل أهازيج الأعراس بأزيز الرصاص، في بلد يمنع المفرقعات حفاظاً على أرواح الناس فهذه مسألة تحتاج اهتماماً بالغاً، ومتابعة حثيثة، وإجراءاتٍ صارمة.