انتقاد الحكومة إعانة لها على عملها
يخلط الكثير من الناس، بين الدولة أو الوطن وبين الحكومة، فحين يتم انتقاد الأداء الحكومي، في تقصيرٍ تجاه المواطنين في الجوانب الخدمية أو الحقوقية، أو في تجاوز الصلاحيات المخولة حسب الدستور والقوانين، أو في عدم اعتدادها حين تنفيذ الإجراءات، بالمواثيق والمعاهدات الدولية، سواءً جاء الانتقاد على الصعيد المحلي من قبل المواطنين، أو على الصعيد الإقليمي والدولي والأممي، من قبل المؤسسات والهيئات الدولية والأممية، فيسارع أولئك الناس إلى إعلان البراءة من تلك الانتقادات، لكي لا تحسبهم الحكومات على المنتقدين لها، وهم الطَيَّعون، بل وينتفضون ضد الانتقادات الدولية والأممية ليصفوها بالمؤامرة الخارجية على الوطن والدولة، وكذلك ضد انتقادات المواطنين، ليصفوها بالخيانة الوطنية.
في حين أن الوطن أو الدولة هو الثابت، وما عداه هو المتغير، فالوطن أو الدولة في مدنيتها، هي الجامع لمكوناتها البشرية والطبيعية، في علاقة تحكمها مبادئ ومعايير الأمن والكرامة والحرية والعدالة والمساواة، الأمن في أمن المواطن على نفسه وماله في جميع الحالات، والكرامة في صون إنسانية المواطن وفي رفع شأنه الحياتي والعلمي والعملي، والحرية في المعتقد وفي التعبير والعلم والعمل، والعدالة في الشراكة في الحكم وفي تقاسم الثروة وحفظ الحقوق، والمساواة للجميع في التمثيل وفي الحقوق والواجبات وأمام القانون.
للدولة أو الوطن مؤسسات، لا تخضع لا من قريب ولا من بعيد، إلا للدستور والقوانين والمعاهدات والمواثيق الدولية والأممية، نبراسها الحداثة والمدنية وتطويراتها المستمرة، بما يخدم الجميع ويحميهم في حقوقهم المواطنية المتساوية، ومن هذه المؤسسات، مؤسسة الحكم المُمَثَّلة بالرئيس أو الملك أو الأمير أو الحاكم، تكاملاً وانسجاماً مع المؤسسة التشريعية المُمَثَّلة برئيسها أو رئيسي غرفتيها، والمؤسسة القضائية المُمَثَّلة برئيس مجلس القضاء الأعلى، إضافةً إلى عنصري الإنتاج من أصحاب رأس المال الفاعل في الجانب الاقتصادي، مثل غرفة التجارة والصناعة، ممثلةً برئيسها، ومن اتحاد العمال ممثلاً برئيسه، وفي حال التعدد فالغرفة الأكثر تمثيلاً لرأس المال الوطني والإتحاد الأكثر تمثيلاً للعمال، وذلك على شاكلة مؤسسات حكم الدولة من قِبل اللوبيات في الدول الصناعية.
وتحكم العلاقة بين هذه الأطراف في التفاعل والانسجام فيما بينهم بمعيارين، الأول أن واحدهم لا ينقل قراره الفردي، بقدر ما ينقل قرار الجهة التي يمثلها، والذي تم اتخاذه بوسيلة ديمقراطية حقة، مشهود لها بذلك محلياً وإقليمياً ودولياً وأممياً؛ والمعيار الثاني أن لا سلطة لأيٍّ من هذه المؤسسات على السلطة الأخرى في قرارها، ليلتئم شمل مؤسسات الدولة أو الوطن هذه، في أعلى سلطة لإدارة الدولة أو الوطن، فيما يمكن أن يتسمى في «الهيئة الوطنية العليا»، التي لابد أن تستعين في قراراتها، برأي المؤسسات السياسية، ومؤسسات المجتمع المدني غير الحكومية، ومختصين من المواطنين المستقلين، كلاً بحسب احتياجات القرارات، للمشورة العلمية التخصصية والخبراتية، واضعة نصب عينيها، تقديس حقوقية النص والتطبيق والإجراء على حد سواء.
ومن المهم أن تخضع باقي المؤسسات، لقرارات وتوجيهات الهيئة الوطنية العليا، بما يحفظ للوطن تماسكه ووحدته، والنأي به عن نافلة الاختلافات والصراعات السياسية، في ظل تقديس الهيئة الوطنية العليا لوطنية المؤسستين عاليه، والمحافظة الفاعلة على الهوية والديموغرافيا الوطنية، بتقنين بعض سياسات، وتضييقها إلى أبعد الحدود إلا فيما ينفع الدولة أو الوطن، وليس الحكومة، بما يحقّق أن تصفى مواطنية الدولة أو الوطن في المواطنين.