مطالبات ودعوات كالهباء المنثور
حينما يعالج بعض الكتاب، الموقف من بعض القوانين، تراهم يُضللون المواطنين، بالتجني تزويراً على النصوص القانونية، ليستبدلوها بمفردات من الكلمات اللغوية، للتعبير عن دواخلهم، بنتيجة عرض مواقفهم ما بين مع أو ضد، أو بين اللوم والتبجيل، لهذا الطرف السياسي أو ذاك، لتنتهي العبارة الى النهج الطائفي، بالمقارنة بين الموقفين المختلفين، سواء في المضمون أو التوقيت، أو النيل بالمثالب، ومن ثم الخلوص الى «إننا الشارع الفلاني وإنهم الشارع الفلاني» و«مشايخنا ومشايخهم»، ومن ثم الانحدار الى «إنهم أهل الكفر والبدع» و«نحن أهل السنة والجماعة»، لتنتهي الى عبارات الموقف السياسي «إنهم الخونة والمجوس والصفويون، المُستَقْوُون بالخارج لدى منظمات الأمم المتحدة، ونحن المحبون للوطن والقيادة، وحيَّ على الجهاد».
حتى مناقشات ذات المواضيع، أسموها مناقشات الأوساط السنية ومناقشات الأوساط الشيعية، من أجل المفاضلة بينهما أو إعابة أحدهما، بما في النفس المريضة، كالمريض النفسي الذي لا يعلم أنه مريض، وذلك في معالجة بعضهم للموقف من اتفاقية السيداو، التي حَوَّروا فيها اسم المرسوم بقانون تعمداً لا جهلاً، من أجل جمع الفريقين في مثلبة واحدة، من أجل الادعاء أنهم عن الجميع مختلفون، في ترويج عباءة براءتهم التي يَدَّعون أنها تجمع المكونين السني والشيعي، في دعاية انتخابية كاذبة ماكرة مبكرة، لاحظ انهم مازالوا يصنفون، المواطنين البحرينيين الى الفروع بحسب الطائفة، على حساب الأصل في المواطنة.
ولأن (الدين)، هو الغالب عندهم على (المواطنة)، كون المواطن ينفرد بالمواطنة ليجتمع بها مع باقي المواطنين، ولكنه يتعدد في الأديان ومذاهبها، تجدهم يطبقون رأيهم الديني الخاص، على حساب إهمال الحق المدني العام للمواطن، بما يشي ببواطن عقليتهم التي يجهدون في إخفائها ويفشلون، بما تبدو مفضوحةً مواقفهم تجاه اتفاقية السيداو، التي حوروا الإشارة الى عنوان «مرسومها بقانون» الذي أصله «المرسوم بقانون رقم (5) لسنة 2002 بالموافقة على الانضمام إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة» والموضوع هو مرسوم تعديله بحسب النص «المرسوم بقانون رقم (70) لسنة 2014 بتعديل أحكام المرسوم بقانون رقم (5) لسنة 2002 بالموافقة على الانضمام إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة»، فعنونوا قرار مجلس النواب «عدم رفض أو قبول المرسوم بقانون رقم (70) لسنة 2014 بتعديل أحكام المرسوم بقانون رقم (15) لسنة 2002 ...»، الا أن مجلس النواب لم يستطع حصد الـ 21 صوتاً لرفض «المرسوم بقانون برفع بعض التحفظات» على اتفاقية السيداو، نعم هكذا، لم يشيروا الى عدم حصد مجلس النواب عدد الأصوات لرفض «المرسوم بقانون رقم (70) ...»، بل لرفض «المرسوم بقانون برفع بعض التحفظات»، وذلك على خلاف الحقيقة والواقع، من حيث إن المرسوم رقم (70) لم يشر، لا في عنوانه ولا مَتْنِه، الى ما يَدَّعون.
بحصيلة أن من بين، الحد الأقصى لحضور النواب، جلسة الثلثاء (5 إبريل 2016)، للنظر في «المرسوم بقانون رقم (70) لسنة 2014 بتعديل المرسوم بقانون رقم (50) الخ كما عاليه»، فإن الحضور في أحسن الحالات، لم يتجاوز عدد 31 نائباً انقسموا الى 11 نائباً موافقاً على المرسوم و18 نائباً اعترضوا عليه أو رفضوه، وامتناع نائبين عن التصويت، فاكتسب الشرعية القانونية قرار الـ 11 نائباً وفشل في اكتسابها قرار الـ 18 نائباً، تطبيقاً للمرسوم بقانون رقم 54 لسنة 2002 بشأن اللائحة الداخلية لمجلس النواب، المحصن بالمادة رقم 121 البند (ب) من الدستور.
كما تتحَصَّن المراسيم بقوانين، التي تصدر في الإجازات النيابية، أو في مُدَد حل مجلس النواب الدستورية، بشرط رفضها عوضاً عن شرط قبولها، على خلاف مبدئية باقي قرارات المجلس الأخرى، وذلك برفض أغلبية أعضاء المجلس (21 عضواً).
فيخلص بعض هؤلاء الكتاب وأمثالهم الى استخدام الأدوات غير الأخلاقية، مثل تخوين الآخر سياسيّاً أو الطعن في عرضه اجتماعيّاً، أو المس بدينه ومذهبه دينيّاً، ثم التقول عليه إنه (أي الآخر) طائفيّاً، ليس لأمر مضاد جلل، بل لاختلاف التوقيت، فقط التوقيت ما بين صبيحة وضحاها، في الاعتراض على الانضمام إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، على رغم أنهما الاثنان معترضان، بخلاصة أن الآخر لن يكون صاحبه ما حيا، متهماً المعارضة السياسية البحرينية، بعدم قدرتها على التواصل والاتفاق، مع ثلاثة تحديداً، «الموالاة» و«الفاتح» و«الشارع السني»، على المستويات السياسية والدينية والاجتماعية.
اليد الواحدة لا تصفق، هذا قول في بعضه صحيح، لكن ليس فيما يدعيه أولئك الكتبة من الاعتراض المطلق على الانضمام إلى اتفاقية السيداو، التي كشفت بما لا يدع مجالاً للشك، معايير وأفكار وتوجهات، جماعات أولئك الكتبة المُدارَة بموازين الطائفية الدينية ثم المذهبية، عوضاً عن الموازين المدنية الحديثة، المطورة لحداثة التطبيقات الدينية، بما يعكس حقيقة عدالتها ومساواتها بين البشر، بل الصحة فيما أوجب التعاون فيه والتكامل، ألا وهو التوافق على الخروج من الأزمة الدستورية والسياسية، بما يساوي بين جميع المواطنين، في الحقوق والواجبات، ويقضي على حتى أصغر الممارسات التمييزية والطائفية في المجتمع، وأولها التمثيل الشعبي الحقيقي في مجلس النواب، على مستوى الوطن كوحدة واحدة، وليس وطناً مجزأً الى مناطق انتخابية، وتلك المناطق بدورها مشرحة تشريحاً، بمشرط الطائفية الى دوائر انتخابية، تموت العدالة في تمثيلها في مجلس النواب، إحداها بنائب عن 16 ألف مواطن، وأخرى بنائب عما يقل عن 800 مواطن، فما يصلح للتمثيل البلدي للإدارات المحلية، لا يصلح للإنابة الحكومية والإنابة التشريعية والرقابية.