الأمم المتحدة... ومحنة دول الجوار السوري
مع وصول أزمة اللاجئين السوريين الفارين من نيران الحرب المستعرة في هذا البلد منذ أكثر من خمس سنوات، ذروة التعقيد والمخاطر، تجد دول الجوار السوري «تركيا ولبنان والأردن والعراق» إضافة إلى بعض دول شمال إفريقيا، التي ما برحت تستقبل أفواج المهاجرين واللاجئين وعائلاتهم، تجد نفسها تعيش في أجواء صعبة ومشبعة بالمشاكل، وتعاني من ضائقة مالية كبيرة، باتت ترهق اقتصادياتها الوطنية، التي هي في الأصل منهكة بسبب استمرار دوامة الأزمات ووجود حالات واسعة النطاق من الإسراف الخاص والفساد السياسي، ونتيجة هذه المعاناة الاقتصادية الصعبة، التي أصبحت حاليا في مواجهة قوية ومحتومة مع هذه الدول، رأت المفوضية السامية لشئون اللاجئين التابعة إلى الأمم المتحدة، أن جميع دول الجوار السوري، التي أنهك كاهلها الإنفاق العام على اللاجئين، بحاجة في الوقت الراهن، إلى عمليات إنقاذ مقننة وممنهجة وعلى نحو سريع وعاجل.
فلقد طالب المفوض السامي لشئون اللاجئين، فيليبو غراندي، دول الاتحاد الأوروبي كافة، بتخفيف الأعباء الاقتصادية والمعنوية عن كاهل جيران سورية، وعدم التردد في استقبال قرابة نصف مليون لاجىء سوري على مدى السنوات القليلة المقبلة، من خلال إعادة النظر في قرارات إغلاق طريق البلقان الممر الرئيسي لتوافد قوافل اللاجئين إلى وسط وغرب أوروبا، وذلك من خلال توفير أكثر من 480 ألف ملجأ للاجئين السوريين التي ضاقت بهم مخيمات تلك الدول.
وتحدث، فيليبو غراندي، في مناسبة ذكرى مرور خمس سنوات على اشتعال الأزمة السورية، عن ذروة الكارثة الإنسانية التي عصفت بالبلاد، وقال في تصريح مقتضب «مأساة كبيرة بهذا الحجم تتطلب تضامنًا واسعًا يفوق مستوى المنح التمويلة»، ودعا جميع دول الاتحاد الأوروبي، إلى وضع حلول واقعية وفعلية، تبدد قلق ومخاوف جميع الدول التي تظل تستقبل الأعداد الهائلة من المهاجرين واللاجئين، وتقدم إليهم مختلف الخدمات الأساسية الضرورية والملحة، والتي تقدر تكاليف خدماتها الأساسية الأولية بالملايين والمليارات.
ومعروف أن دول الجوار السوري بالإضافة إلى بعض دول شمال إفريقيا، احتضنت في ديارها أكثر من 4.9 ملايين لاجىء سوري، على امتداد سنوات الأزمة السورية، وبحسب المفوض السامي لشئون اللاجئين، فيليبو غراندي، فإن تلك الضغوط الواسعة، التي تسبب بها ذلك الكم الهائل من اللاجئين على صعيد الخدمات العامة والمنح المالية، دفعت جميع هذه الدول إلى تشديد الرقابة الأمنية على حدودها، وأشار إلى أن ذلك الأمر قد تسبب في استمرار بقاء عشرات الآلاف من اللاجئين من دون ملاذات آمنة داخل الأراضي السورية وليس بوسعهم حاليًّا مغادرة أراضي البلاد إلى مناطق أخرى.
وكانت حكومات الدول، التي قدمت منحاً مالية في نطاق الأزمة السورية، قد تعهدت في مطلع العام 2016 بتوفير أكثر من 5.9 مليارات دولار على شكل مساعدات طارئة للاجئين السوريين الذين يعانون من ويلات النزوح في داخل الديار السورية، وكذلك الذين غادروا البلاد بحثا عن ملاذات آمنة في الخارج، كما تعهدت حكومات العالم بتوفير أكثر من 170 ألف ملجأ للسوريين الفارين من جحيم المعارك الضروس في بلادهم، إلى مختلف مناطق اللجوء في العالم.
لكن مفوضية الأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين، تعول الآن بشغف، على تعاون المجتمع الدولي برمته، في درء الأخطار المحدقة بجميع المناطق التي تعصف بها الصراعات، وتتقاسم حكومات الدول أعباء المهاجرين واللاجئين، وتعمل على زيادة حجم المساعدات المالية والعينية، إلى اللاجئين الذين يعيشون في أوضاع مزرية في مخيمات الدول المجاورة لسورية وفي بلدان شمال إفريقيا، التي تفتقد أبسط مقومات الحياة المعيشية والصحية، وذلك قبل انعقاد أعمال المؤتمر الدولي الخاص بمناقشة أزمة اللاجئين، في جنيف في (30 مارس/آذار 2016) والذي يهدف إلى حماية أوضاع المهاجرين واللاجئين ودعم حكومات الدول، التي تظل تستقبلهم وتوفر لهم الحماية والرعاية المطلوبة.