شغالتنا هربت!
لا أعتقد أن أحداً من قراء هذا المقال لم يقل أو يسمع هذا التعبير «شغالتنا هربت» من قريب أو صديق، أو جارٍ، أو زميل عمل، فهروب عاملات المنازل هذه الأيام بـ «الجكية»، أو بالجملة، ويبدو أن هذا الأمر أصبح موضة رائجة تتفنن من خلالها عاملات المنازل في طريقة الهروب.
لا أريد أن أبحث في هذا المقال عن الأسباب، ولا أريد أن ألوم طرفاً من الطرفين سواء عاملة المنزل أو صاحب العمل، فقد تكون عاملة المنزل مظلومة ومغلوباً على أمرها، فلم تجد طريقة للتخلص من مشكلتها إلا الهروب، وقد تكون عاملة المنزل انتهازية انتهزت مهنتها، واختارت أن تعمل بأسلوب آخر، فاختارت الهروب لتحقق أحلامها على حساب رب العمل الذي دفع المبلغ الفلاني لصاحب المكتب، وكم من رب عمل، هربت عاملة منزله، وهو لايزال يدفع مبالغ وصولها إليه.
ليست هذه المشكلة التي وددت تسليط الضوء عليها، فهذه المشكلة تخص صاحب العمل وعاملته فقط، ولكن أود تسليط الضوء على مشكلة أشمل، أكمل، وأكبر، وأخطر، تخص المجتمع بأكمله، وتتلخص في هذا السؤال: أين تذهب هذه الأعداد الكبيرة من عاملات المنازل بعد أن تنجح في ترك العمل والهروب من المنازل؟!
الحديث هنا ليس عن كل العمالة، بل فقط عن عاملات المنازل وأغلبهن في سن مبكر، ومتوسط، ونحن لا نتحدث عن عاملة أو عاملتين، بل نتحدث عن آلاف العاملات اللاتي نجحن في شد أحزمتهن، ومغادرة المنازل التي يعملن فيها، فبحسب هيئة تنظيم سوق العمل، فإن الهيئة تلقت 1108 بلاغات ترك عمل (هروب) لعاملات منازل، وهذه الإحصائية تشمل الفترة منذ تسلم هيئة سوق العمل لمهام إصدار تراخيص عاملات المنازل، إلى بداية أغسطس/ آب من العام الماضي (2015) فقط، وبالتأكيد هناك أضعاف هذا العدد قبل وبعد هذه الفترة.
غالبية عاملات المنازل يخترن الهروب ليلاً، بل وغالبيتهن لا يمكنهن الهروب من دون مساعدة أحد، والقصص هنا لا تحتاج إلى سرد، فكثيرات من ضبطن هاربات مع أشخاص لهن علاقة مسبقة بهم، و «سوالف» الناس عن هذه القصص تنتشر بينهم كانتشار الهواء.
من الذي يقوم بتهريب هذه العاملات؟! وأين وجهتهن بعد الهروب؟! هل يعملن في أماكن أخرى؟ وما هي هذه الأماكن؟ وما هو نوع العمل الذي يقمن به؟
عندما يقرأ الناس هذه الأرقام المرعبة، ويسمعون الكثير من هذه القصص اليومية عن هروب أو تهريب عاملات المنازل، يحق لهم أن يخشوا من وجود شبكات متخصصة في الاتجار بالبشر، وتحديداً الاتجار بعاملات المنازل واستثمارهنّ ربما في أعمال غير مشروعة، كما يحق للناس أن تتساءل عن الإجراءات المتخذة حيال الأشخاص الذين يضبطون وهم يقومون بهذا النوع من المخالفات التي تنتهك حقوق الإنسان بالدرجة الأولى.
الآلاف من عاملات المنازل، أو فلنقل ألف عاملة فقط، كما صرحت هيئة سوق العمل، هل يمكن لهن أن يسكنّ في الشارع أو على الأرصفة أو في الأماكن العامة؟! إذاً أين يسكنّ، وأين يأكلن، وأين يمارسن حياتهن، وكيف يمكنهنّ العيش؟ وما هو مصدر دخلهن ومن يؤويهن ويوفر لهنَّ سبل العيش؟! بالتأكيد ليس الجن من يقومون بهذه المهمة؟ بل هم بشر يتاجرون بالبشر، وعلينا حماية المجتمع من خلال تعقب المتربحين من هذا العمل حتى لا يجد أربابه الأبواب مفتوحة لهم من دون حسيب أو رقيب، فتصبح هذه التجارة رائجة لضعاف النفوس، ويقع المجتمع ضحية لكارثة غير محسوبة العواقب.