فاتورة المجاري!
كنا نتعجب عندما نذهب إلى بعض الدول الفقيرة، ونجد أحدهم يترصد لنا على أبواب مرافق دورات المياه يطلب منا رسماً مقابل استخدام الحمام العمومي، وها هو الحديث يتواتر لدينا بشأن دفع هذا الرسم على استخدام شبكة الصرف الصحي.
وعلى الرغم من ذلك، فليس لأحد أن يحمل في قلبه أو يعكر صفو مزاجه، لمجرد أن هناك حديثاً عن فرض رسوم على استخدام الصرف الصحي، لسبب بسيط جداً وهو أن مكائن الصرف الصحي التي تعبت من فرز السائل عن الصلب في محطة توبلي لسنوات طويلة، بدأت تشعر بالراحة شيئاً فشيئاً بعد رفع الدعم عن اللحوم، فقد تقلصت المرات التي يحتاج فيها الناس إلى دورات المياه، ولم يعد في أجسامهم فائض يحتاجون فيه إلى بيت الراحة كما هو السابق.
من الجيد أن نبدأ رحلة التقشف من بيت الخلاء، ولكننا قد نحتاج مزيداً من التوضيح عن الطريقة التي سيتم فيها احتساب رسوم المجاري - أعز الله القراء - وهل سيتم وضع عدادات إلكترونية حديثة مثلاً، أم أن الرسوم ستكون ثابتة، أم ماذا؟ وإذا اختارت الجهات الرسمية آلية تثبيت عدادات على أنابيب الصرف الصحي للمنازل، فلنا ملحوظة صغيرة نأمل وضعها في الحسبان على طاولة المداولة والبحث في هذا المضمار، وهي أن يتم تسجيل (خاص وسري) على ظهر الفاتورة وأن يتم إغلاقها بالصمغ الجيد بإحكام، لأن «مو حلوه صراحة» أن يعرف الناس عن بعضهم كم مرة دخلوا الحمام خلال هذا الشهر، وكم وكم وكم... خصوصاً إذا كانت الفاتورة تشتمل على تفاصيل محرجة، مثل كلفة استهلاك الصلب، وكلفة استهلاك السائل، وما إلى ذلك من التفاصيل التي تزيد سريتها على سرية تقارير البنوك!!
كما أن لنا رغبة أخرى نأمل أن يتسع صدر المسئولين لها وهي ألا يتم طباعة فاتورة الصرف الصحي باللون الأحمر للمتخلفين عن الدفع كما هو الحال بالنسبة إلى فاتورة الكهرباء، لأن صراحة «فشلة» تصلك فاتورة الصرف الصحي نهاية الشهر حمراء اللون!
نعلم أن التوجه حالياً هو فرض هذه الرسوم على الأجانب فقط، ولكن الأجانب أيضاً يستحقون الاحتفاظ بهذه المعلومات السرية لأنفسهم فقط، وإن كنت أخاف أن يعزف بعضهم عن استخدام المراحيض، وإحداث مشكلة أخرى أكبر من كلفة محطات الصرف الصحي، وهذه المشكلة شبيهة بالتي تحدثت عنها الأمم المتحدة وهي أن أكثر من مليار إنسان يقضون حاجتهم في العراء، وأخشى أن تتسبب هذه الخطوة في أن يكون لنا نصيب من هذا المليار في إحصائية العام المقبل.
لست ممن يرفض تقنين الدعم، فالظرف الاقتصادي الذي تمر به الدول التي تعتمد في اقتصادها على إنتاج النفط والبحرين واحدة منها يحتم عليها أن تعتمد سياسات اقتصادية جديدة أهم ملامحها مراجعة أوجه الدعم، ولكننا نحتاج أيضاً إلى سياسات واضحة تحاصر الفساد الذي يأكل من لحومنا أضعاف ما تأكله موازنات الدعم، ونحتاج أن نغير الاكتفاء بعقوبة التقاعد المبكر لمن يعشعشون في مراتع الفساد، ونحتاج إلى تقرير رقابة آخر يوثق لنا محاسبة من يُشار إليهم أصابع الاتهام بالفساد في تقارير رسمية.