عُقوبةُ الثَّور إذا نَطَح
إذا سرقَ رجلٌ ثوراً أو شاةً فذبحَهُ أو باعَهُ، عليهِ أن يعوضَ خمسةً مثلهُ من القطيع، أما إذا نطحَ ثورٌ رجلاً أو امرأةً فمات أو ماتت، فيُرجمُ الثورُ حتى الموت، ولا يُؤكلُ من لحمِهِ، وصاحبُ الثورِ براء!
تلك كانت شريعةُ حمورابي التي حكمَ بها حضارةَ الامبراطوريةِ البابليةِ قبلَ الميلادِ بألفٍ وسبعمئة وخمسين عاماً، ويا ويلَ رجلٍ سرقَ غنمةً أو ثوراً، ويا ويلَ ثورٍ نطَحَ رجلاً أو امرأةً، فالسارقُ غارمٌ، والناطحُ معدومٌ، ومن تسولُ له نفسُهُ منَ الثيرانِ أن يستخدمَ قرنَيه لمناطحة الناس من دون وجه حق، فعلى رقبتهِ أن تستعدَ لسكينِ القصاص، ولن ينفعَه بأنه ثور لا يفهم، ولا يعلم من الأمر شيئا!!
منذُ عُصورٍ غابرةٍ، فطنَ الإنسانُ إلى أن الفسادَ آفةُ البشر والحجر، وأنَّ الفسادَ يحرقُ النسلَ والحرثَ الكبير، ويأتي على الثروةِ والخيرِ الكثير، ولا يرحمُ على الأرضِ كبيراً ولا صغيراً، لأنه شرٌّ مستطيرٌ، فالفسادُ هو ذاته ترفُ الأغنياء على حساب الفقراء، وهو ما اختصره سيد البلغاء علي عليه السلام بقوله «ما جاع فقير إلا بما متع به غني».
العلمُ بالمرضِ وحده لا يعالجُ مرضاً، بل هو مقدمة لبدء العلاج، وهو ما يفعله لنا ديوان الرقابة المالية والإدارية كل عام، فهو يخبرنا بالمرض ونوعه ومدى خطورته، ويخبرنا بالثيران التي تشهر قرونها وتنطح متى وأين وكيف تشاء، ويخبرنا بالأغنام المسروقة التي يلتهم لحمها الفساد بشراهة حتى التخمة!
الثروة حتى لو كانت بحرا هادرا، فالفساد يشربها عن آخرها، لوأعطي الفرصة لذلك، لأن الفساد أكثر إحراقا من النار للثروات، والخيرات، وتركه يسرح ويمرح هو أكبر ظلم للمجتمعات، لأنها ستجوع، بينما يزداد الفاسدون شبعا، والوقت في ذلك ليس في صالح الناس، وعلينا أن نبرهن إلى الناس أن وراء الفساد فاسدون، وعلينا أن ندرك أننا جميعا مأكولون إذا تركنا الفساد يأكل مقدراتنا من دون حسيب ولا رقيب، لذلك فإننا نحتاج إلى نسخة أخرى من ديوان الرقابة المالية والإدارية تصدرها الجهات المعنية بملاحقة الفاسدين، الذين كلما أكلوا جاعوا، وكلما شربوا عطشوا.
كما أننا نحتاج أن نتقشف، ونتنشف أيضا، نحتاج كذلك إلى مقارعة الفساد، وكبح جماحه، لمواجهة الأزمة الاقتصادية الراهنة التي تنذر بأيام عصيبة نأمل ألا يكون فيها للجريش مكان، وأن نتغلب على أمواجها العاتية بالحكمة والحنكة، والسلاح الأكثر فاعلية للقيام بهذه المهمة الصعبة هو أن يوضع للفساد حدٌ، لا تجرؤ قدم على اجتيازه، وإلا فإننا مع كل الإجراءات التي نقوم بها ننفخ في قربة مثقوبة!!