أحسنت يا شقيقي
بعد عودة شقيقي مع عائلته من إجازة الصيف التي قضاها خارج البحرين، تذكر كل شيء، ولكنه نسي أن يرتب لعودته من مطار البحرين الدولي إلى منزله الكائن في إحدى ضواحي المنامة!
ولحسن الحظ أن هذا الشقيق يحب المغامرات، كحبه للسفر تماماً لذلك استطاع أن يقنع زوجته وبناته باستخدام النقل العام الحديث وسيلة للعودة للمنزل، وبالفعل استقلت العائلة النقل العام الحديث المكيف والمزود بشبكة الإنترنت، وعلى رغم أن العائد من السفر يكون مجهداً متعباً، فإن هذه الرحلة في باص النقل العام بحسب شقيقي أضافت لرحلته ميزة أخرى، وكان جميلاً تجول الباص في شوارع البحرين بعد العودة إليها، كما أنه استطاع أن يعود للمنزل بطريقة أخرى غير التي يستخدمها كل مرة يعود فيها من سفره.
أعلم أن هذه التجربة التي خاضتها عائلة بحرينية لا يخوضها غالبية البحرينيين، بل إن الغالبية العظمى يلغي تنقلاته، ومشاويره المهمة وغير المهمة، وربما يلغي أيضاً ذهابه للعمل، لمجرد تعطل سيارته الخاصة، فنحن بعيدون كل البعد عن التفكير في استخدام هذه الوسيلة، التي يستخدمها نخب المجتمع في البلدان المتقدمة، فالمهندس وحتى الطيار، والطبيب أيضاً لا يجد حرجاً في استخدام وسيلة عامة للتنقل كالقطار أو الباص، أو المترو.
أعلم أنها ثقافة، ولكن الثقافة نحن من يصنعها، ونحن من نورثها لأبنائنا، ونحن من يستطيع تغييرها.
هناك أرقام تشير إلى أن البحرين ستتحول إلى بلد المليون سيارة في العام 2018، إذ من المتوقع أن يصل عدد المركبات فيها بعد ثلاث سنوات فقط إلى مليون وثلاثين ألف سيارة، وحينها لن تنفع الجسور ولا الكباري، حتى لو ارتفعت قاماتها إلى عنان السماء، وبلغت ناطحات السحاب طولاً!!
المشكلة ليست في الازدحام المروري فقط، بل في كارثة بيئية مرتقبة، فكم هو حجم التلوث الذي سينبعث من المليون سيارة على هذه الجزيرة الصغيرة؟! وكم حادثاً مرورياً يمكن أن يقع؟ وكم ستصرف الدولة على دعم البنزين الذي ستحرقه هذه السيارات؟!
أعتقد أن الدولة تتحمل مسئولية كبيرة أيضاً في هذا الموضوع، فهي لا تشجع الناس على استخدام بدائل لسياراتهم، وماعدا الباصات الحمراء التي تجوب الشوارع لا شيء يذكر، فلماذا مثلاً لا توجد باصات صغيرة تجوب القرى للتنقلات القصيرة من حي إلى حي، أو في الشوارع الرئيسية داخل القرى، والمدن، وهو معمول به في الدول المتقدمة، بدلاً من هذا الوضع الذي لا يطاق حتى في الأزقة الداخلية للأحياء السكنية، فحتى الخباز والبقال الذي يبعد عن منازلنا مئات الأمتار ندير محرك السيارة للوصول إليه وكأننا مجتمع معوق؟!
ولماذا لا يوجد لدينا قطار محاذ للشوارع التي تقع بمحاذاتها الأحياء السكنية مثل شارع البديع، وشارع مدينة حمد الداخلي.
نحتاج أن نتفادى الكارثة المرورية والبيئية المقبلة من خلال استحداث وسائل نقل مغرية تقنع الناس بركن سياراتهم واستخدام هذه الوسائل، وإلا فسنستنزف كل أموالنا في عمل الشوارع والجسور، ولكننا كمن ينزف البحر بكأس الشاي!!