العم مصلح... مات!
أخبرتني ابنتي الصغيرة بأنّ العم مصلح مات! وقد كنّا نتابع أنا وهي حلقات العم مصلح وقصصه المثيرة على قناة براعم منذ سنتين، وحقيقة تأثّرنا أنا وابنتي وعموم من يتابع العم مصلح كثيراً، وقد بكت ابنتي الصغيرة كما بكى الصغار الذين يتابعونه بشغف، فمن هو العم مصلح؟!
العم مصلح كما ذكرت صحيفة «الرياض» هو الفنان القطري الذي ترك التعليق الرياضي العام 2004 لمصلحة برامج الأطفال، توفي بعد أن أنهكه مرض السكري قبل يومين، وبعد أن تدهورت صحته في أكتوبر/ تشرين الأول 2014، بينما كانت قناة «ج» وقناة «براعم» تستمر في عرض الموسم الجديد السلسلة التلفزيونية المخصصة للصغار «حكايات العم مصلح» التي بدأت العام 2012، وجسّد فيها الفنان الراحل شخصية الحكواتي «العم مصلح» صانع الدمى الوحيد الذي يقص حكاياته عليها.
وللعم مصلح حكايات وقصص خالدة وجميلة ورائعة، أثّرت في أبنائنا وفينا، وقد فتح أعين الأطفال وأعيننا على الإرث العالمي القديم الذي ينتمي إلى كثير من الحضارات، فانتقلنا من الخليج العربي إلى أقصى الشرق وإلى أقصى الجنوب وإلى الأميركيتين وإلى أوروبا، وروى لنا أساطير، وعشنا تاريخاً وحضارة نستلهم منه، وغرس في الأطفال القدرة على الابتكار وغذّى الخيال، وأحيى تحريك دمى الخيط بعد أن اندثرت عن الساحة العربية، فانشغل الأطفال بالسياسة أكثر من انشغالهم بالبراءة والطفولة والخيال والابتكار!
الحمدلله أن حكايات العم مصلح لن تتوقّف، فهي إرث عرب نستمد منه الكثير، ويا حبّذا لو تقوم وزارة الإعلام ببث حلقاته على تلفزيون العائلة البحرينية، وليس حكايات العم مصلح التي نريد عرضها على هذه الشاشة فقط، فهناك المناهل ومدينة القواعد وافتح يا سمسم، فلقد نهلنا من تلك البرامج الكثير من القصص والحكايات والقواعد والبلاغة، وكانت لها الأثر الكبير على زيادة حصيلتنا المعرفية في لغتنا العربية.
تأثّر أبناؤنا للأسف الشديد بالعولمة، ووجدنا أنّنا وإن كنّا من جيل تابع اللغة العربية بحذافيرها، واهتمّ بالشعر والأدب في كل لحظة، الاّ أن الأبناء فقدوا هذه المتابعة وذلك الاهتمام، وانصبّ اهتمامهم على الغرب وعلى اللّغة الإنجليزية، وإن كانت اللغة الإنجليزية مهمّة، الاّ أنها لا تأتي بأهمية اللغة العربية، لغتنا الأم، لغة الضّاد.
ولو قارنّا بين الجيل الماضي والجيل الحاضر في اللغة العربية، لوجدنا الفرق الكبير بينهما، فجيل اليوم يتحدّث (مكسّر) بين العربية والإنجليزية، ومهما حاولنا فإنّ التأثر قوي جدّاً، بسبب غزو الثقافة الإنجليزية على ثقافتنا العربية، ولدينا من الطرق لإيقاف هذا الغزو الكثير الكثير، وسنتطرّق إليه في مقالات أخرى.
ونرجع إلى ما بدأنا عن العم مصلح الذي سيفتقده الكبار والصغار، متابعوه الذين تابعوه منذ سنوات، فليرحمه الله رحمة واسعة، وليجعل مثواه الجنّة ومع الأخيار الصالحين، وهو مات جسداً ولكن بقي فنّه الأصيل إلى يوم القيامة، يشهد على اهتمامه بغرس الثقافة الحقّة في أطفالنا، فشكراً له ألف شكر لما قام به من عمل عظيم، وجعل الله قبره روضة من رياض الجنّة. اللهم آمين.