-
القائمة الرئيسية
-
ملاحق البحرين تنتخب 2014
-
البحرين: جدل ساخن حول التعديلات الدستورية الجديدة ونظام المجلسين
تثير التعديلات التي ادخلت اخيرا على الدستور في البحرين جدلا سياسيا ساخنا، حيث عبرت شخصيات سياسية بحرينية عن تأكيدها على دعم الاصلاحات السياسية التي يقودها ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسي آل خليفة بالرغم من تحفظها على التعديلات الدستورية التي تمت اخيرا، والتي تتركز بشكل اساسي على نظام المجلسين المنتخب والمعين. وعبرت الجمعيات السياسية البحرينية عن تثمينها للخطوات التي قامت بها القيادة السياسية من انفتاح وانفراج سياسيين في المجتمع، اضافة لاطلاق المزيد من الحريات السياسية والاصلاحات الاجتماعية.
واكدت الجمعيات في موقف تضامني اهمية إعطاء المهام التشريعية للمجلس المنتخب وان يكون المجلس المعين للمهام الاستشارية، كما اكدت الجمعيات، رغم تحفظه على التعديلات اهمية الحوار والانفتاح الحر الديمقراطي ونبذ جميع اساليب العنف.وفي هذا الصدد رصدت «الشرق الاوسط» آراء متعددة في الساحة البحرينية حول هذه التعديلات. وقال مصدر مقرب جدا من القيادة السياسية في البحرين على اهمية الاجراءات الاخيرة التي اطلقها ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة ان «الجدل حول صلاحيات المجلس المنتخب ليس في محله، خصوصا ان المجلس ستكون له صلاحيات تشريعية اكبر من مجلس الشورى المعين الذي سيشكل مع المجلس المنتخب سلطة تشريعية متكاملة تعملان على مراجعة القوانين وصلاحيتها»، الا ان المصدر اكد ان السلطة الاولى ستكون للمجلس المنتخب، وهو صاحب السلطة الاولى في موضوع مراجعة الميزانية ومحاسبة الوزراء وطرح الثقة بهم. واضاف «ولمزيد من الاطمئنان للمشككين في صلاحيات المجلس المنتخب ووفقا للدستور فان الملك حمد باعتباره رأس الدولة السياسي الاول مسؤول عن حماية الدستور، كما ان الدستور مرتبط بالملك، اي ان كلا الطرفين مسؤولان عن بعضهما بعضا. كما ان تشكيل المحكمة الدستورية في ظل تفعيل الميثاق الوطني والتي اعلنها الشيخ حمد اخيرا ستشكل رافدا آخر من تعزيز الحياة الديمقراطية في البحرين، خصوصا ان هذه المحكمة ستتلقى اي شكوى حول اي انتهاك دستوري يجري عليه خلاف». واكد المصدر في حديثه ان البحرين بعد هذه التعديلات اصبحت ملكية دستورية واضحة المعالم السياسية، لكن المهم ان تتفاعل القوى الوطنية البحرينية مع هذه التغييرات برؤية واضحة، كما ان المرحلة الحالية ستكون محطة اختبار للقوى الوطنية، في تعزيز التجربة الجديدة، والامل كبير ان تتعامل هذه القوى مع هذا التحول التاريخي، وصولا الى الحياة النيابية المقبلة.
واوضح المصدر ان الاعتراضات التي صدرت من بعض القوى الوطنية بخصوص المجلسين نسيت ان التحول الذي حدث ولا زال يعتبر تاريخيا بكل ما تعني الكلمة من معنى، واكد «اننا يجب ألا ننتقل من المطالبة بكل شيء بينما كنا في لا شيء، فالحياة النيابية ستعود والعملية الديمقراطية في معظم الدول كانت ولا زالت عملية طويلة وشاقة». وعبّر المصدر عن تفاؤله بالتجربة الجديدة بقوله ان وجود مجلس الشورى «يعتبر صمام امان للتجربة الديمقراطية، وفي حالة نشوء خلاف بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية فان المجلس المعين سيكون بمثابة عصا التوازن بين القوتين للحد من الوصول لا سمح الله لحل المجلس النيابي في حالة الاصطدام بين القوتين».
وعبّر يعقوب الجناحي، الخبير القانوني البحريني وأحد الشخصيات الوطنية المعروفة، عن ترحيبه باعلان الملكية الدستورية، مؤكدا انها «جاءت متوافقة مع بنود الميثاق الوطني وصولا الى مجتمع ديمقراطي متكامل خلال الحياة النيابية المقبلة في اكتوبر (تشرين الأول) المقبل»، الا ان جناحي عبّر عن تحفظه على بعض التغييرات الدستورية التي تمت بخصوص المجلسين، موضحا ان تساوي المجلسين في التشريع من شأنه ان يفقد مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث وهي عملية قانونية ومعروفة في جميع الديمقراطيات في العالم. واضاف «اننا مقدمون على تطورات سياسية ايجابية تتطلب المزيد من تعزيز الاصلاحات السياسية القائمة».
وفي السياق نفسه، قال جمال فخرو النائب الاول للرئيس السابق لمجلس الشورى البحريني الذي حله ملك البحرين اخيرا ان السنة الماضية كانت سنة متميزة على جميع الأصعدة سواء الاجتماعية، أو الاقتصادية، أو السياسية، واضاف ان التعديلات الاخيرة كانت متوافقة مع ما جاء في الميثاق الوطني، وعمل فيها الشعب والقيادة السياسة فريقاً واحداً، مما عزز الثقة بين الشعب والحكومة، ولعل خير دليل على ذلك هو ما اعلنه ملك البحرين في الخامس من فبراير (شباط) الماضي عن التعجيل باجراء الانتخابات البلدية في مايو (أيار) والبرلمانية في اكتوبر المقبلين بعد ان كانت مقررة خلال السنوات الاربع المقبلة.
وحول رأيه في الجدل السياسي الدائر حول نظام المجلسين قال فخرو «في تصوري أن العلاقة بين المجلسين ستكون طبيعية جداً، بل ومكملة لبعضهما بعضا وهو ما نجده في العديد من البلدان الديمقراطية، سواء في العالم المتقدم او في العالم العربي والتي تعتمد نظام المجلسين المنتخب والمعين كمصر والاردن والمغرب، فنحن لم نستحدث شيئاً جديداً، بل نطبق ما هو موجود في العالم». وبسؤاله عن إعطاء مجلس الشورى صلاحيات تشريعية متساوية مع المجلس المنتخب، وهو ما يشكك في سلب جزء من صلاحياته التشريعية، قال فخرو «ان مجلس الشورى سيكون له دور استشاري ولكن سيكون له ايضا الحق في رد القوانين وكذلك الاعتراض على إصدار القوانين، إذا كانت تلك القوانين لا تتفق مع رأي أغلبية مجلس الشورى. وبالتالي فان هذه العملية ستحدث توازنا حقيقيا للسلطة التشريعية. فالسلطة التشريعية النيابية تعبر عن رأي الشارع ورأي الناخب، وفي الكفة الأخرى اي مجلس الشوري فيعبر عن رأي الحكماء والخبرة، ان المجلسين يعملان متجانسين في دور واحد ومشترك وهو الحرص على خدمة هذا الوطن العزيز».
واضاف فخرو في جانب آخر من حديثه «ان المجلسين ينسجان موقفهما وفق رؤية وطنية، فعندما يأتي مجلس الشورى بمقترح، بعيدا كل البعد عن رغبات المواطن، يأتي البرلمان المنتخب ويصحح هذا الخطأ، وكذلك عندما يأتي مجلس النواب بمقترح بعيد كل البعد عن الحكمة، فإن مجلس النواب يصحح ذلك. وأعتقد أن التشريع في المجلسين سيقوي التعامل المباشر بينهما مما سيجعل من كل مشروع قانون سيصدر لا بد لتمريره من موافقة أغلبية الأعضاء في المجلسين». واكد فخرو أن المجلس النيابي هو المنوط بالتشريع، ولكن مشاريع القوانين لا بد أن تحظى بموافقة الأغلبية، وأي خلاف بين المجلسين على مشروع قانون معين لا بد من اجتماع المجلسين لحل هذا الخلاف في حال لم يتوصلا لاتفاق بشأنه. وعبر فخرو عن تفاؤله بمستقبل العلاقة بين المجلسين وان مشاريع القوانين ستمر من دون الحاجة للاجتماع المشترك بينهما.
في الجانب الآخر، اظهر حسن المشيمع احد الشخصيات النشطة في العمل السياسي في البحرين شعورا بخيبة الأمل حيال التعديلات السياسية الاخيرة بقوله «بالرغم من دعمنا للاصلاحات التي اطلقها ملك البحرين الشيخ حمد، الا ان التغييرات الدستورية الاخيرة حول المجلسين المعين والمنتخب كانت مخيبة للآمال» حسب تعبيره. واضاف «لقد كنا متوجسين من اي تغييرات دستورية مفاجئة، خصوصا تلك التي لم توضح العلاقة بين المجلسين، حيث اصبح المجلس النيابي بلا صلاحيات تشريعية مع تساويه بالمجلس المعين». واكد المشيمع انه «جرت نقاشات طويلة مع الشيخ حمد حول العديد من القضايا، وخصوصا تلك التي تؤكد صلاحية المجلس المنتخب على الانفراد بالتشريع واكدنا ان الدستور هو المرجع الرئيسي في علاقة السلطتين التنفيذية والتشريعية، اما التعديلات التي جرت بشكلها الحالي فانها ستضعنا في موقف متحفظ مع موقفنا المستمر في دعم الاصلاحات السياسية التي بدأها ملك البحرين الشيخ حمد، مؤكدين تمسكنا بالوحدة الوطنية وعدم السماح بالرجوع للحالة السابقة التي كانت تعيشها البحرين ورفض اي اسلوب يعتمد العنف وسيلة للتعبير».
من جانبه، عبر عضو مجلس الشورى السابق ورئيس الجمعية الاسلامية ابراهيم عبد السلام، عن سعادته بالتغييرات الدستورية التي حدثت اخيراً، مؤكدا ان ما تم هو نقطة تحول تاريخية، بعد ازمة دستورية مضت عليها فترة من الزمن، موضحا ان البحرين مقبلة على مرحلة جديدة من الديمقراطية المتكاملة في صنع القرار السياسي وذلك بدخول المرأة مشاركة في الانتخابات السياسية. وحول رأيه في الجدل السياسي حول نظام المجلسين قال «ان وجود المجلسين المنتخب والمعين سيحقق توازنا وتعقلا في الكثير من مشروعات القوانين التي ستقدم في الحياة النيابية المقبلة، منعا لاي انفراد في اقرار هذه القوانين فان التعاون بين المجلسين سيحقق اكبر قدر ممكن من البناء. واضاف ان هذا النظام «ليس بدعة اخذت بها البحرين»، بل هو اقتباس من دول عريقة وديمقراطية، كما ان علماء الدستور وجدوا في نظام المجلسين تحقيقا للتوازن، موضحا ان العلاقة بين المجلسين ستكون في جانب التشريعات فقط اما صلاحيات المجلس المنتخب في الرقابة المالية والادارية ومراجعة الميزانية واستجواب الوزراء، فان ذلك سيظل من اختصاصات المجلس النيابي ولا دخل للمجلس المعين فيها.
اما علي ربيعة عضو المجلس الوطني السابق فأكد ان التغييرات التي تمت اخيرا تعد بمثابة «ازمة دستورية». وقال «لقد جاءت هذه التعديلات على خلاف مطالب القوى السياسية، حيث كان من المتوقع أن تأتي متوافقة مع ما تم التوافق حولها، أي ان التعديل الخاص بالمجلس المعين يجب أن يكون مجلساً للمشورة والاستشارة، لا أن يكون مشاركاً في السلطة التشريعية»، مضيفا أن السلطة التشريعية وهي المجلس المنتخب اختفت تماماً بوجود مجلس استشاري يحمل نفس العدد من الأعضاء في كلا الجانبين. وقال «أما هذه التعديلات الدستورية فقد كانت خارج نطاق الدستور، أي أنه تم إدخالها خارج نطاق الآلية الدستورية وهو ما يتناقض مع الدستور، أي أن هذه التعديلات في مجمل القول جاءت مخيبة للآمال». وبعرض رأي الطرف الآخر عليه، وهو أن نظام المجلسين سيحقق توازناً تشريعياً للبحرين في ظل ظروفها الحالية، قال «نحن مع وجود المجلس المعين شريطة أن يكون عدد أعضائه نصف عدد أعضاء المجلس المنتخب، لا أن يكون مساوياً له في العدد، وله صلاحيات السلطة التشريعية المنتخبة». وأضاف «إن هذا المجلس المعين سلب السلطة التشريعية صلاحياتها. وذلك بعكس توقعاتنا، ولقد ذهبنا إلى صنادق الاقتراع بتطمينات بأن المجلس المعين ليس إلا للمشورة فقط، وأن التعديلات ستأخذ مجراها الطبيعي داخل الآلية الدستورية. وهذا الاتفاق جاء على أساسه التصويت للميثاق الوطني. كما ان هذه التأكيدات أقنعت القوى السياسية بإصدار بياناتها الخاصة في حث الناس على الإدلاء بصوتها والقول بنعم للميثاق».
وردا على القول ان نظام المجلسين موجود في الميثاق الوطني وليس جديدا قال «ان الإقرار بالميثاق يعني إدخال أي تعديلات يجب أن تتم بطريقة دستورية. حتى الاستفتاء جاء متضمنا نظام المجلسين، لكنه لم يتكلم عن الآلية الدستورية التي يتم بمقتضاها إدخال هذه التعديلات. نحن وافقنا على نظام المجلس المعين، لكن لم توجد طريقة دستورية لإدخال هذه التعديلات سوى الدستور».
وحول وصف الاعتراضات على التعديلات بأنها جاءت متسرعة وأن التجربة الديمقراطية إنما تكتمل تدريجياً، قال ربيعة «لقد خسرنا المعركة الدستورية بكل المقاييس. لقد كان هناك مجلس منتخب عام 1973، وحل عام 1975 ولكن كانت هناك سلطة تشريعية، رغم فقدان الضمانات التي تسير المجلس السابق. اما الآن فإن السلطة التشريعية لا وزن لها البتة». وتوقع ربيعة ان تسير العملية الديمقراطية بشكلها الصحيح في ظل وجود تساوي العدد في المجلسين، مما سيخفق في تمرير العملية الديمقراطية بوجود اكثرية مؤيدة، واقلية معارضة فوجود الثلثين في هذه التركيبة من المستحيل الوصول اليها. وذلك بمقتضى أن مجموع أعضاء المجلسين هو 80 عضواً، وبالتالي، فمن الصعب الحصول على 65 صوتاً للتعديل. اما وداد المسقطي عضو المجلس الاعلى للمرأة ومديرة الشؤون المالية والادارية في وزارة النفط فاكدت اهمية مشاركة المرأة في الانتخابات المقبلة، معتبرة اياها نقلة نوعية وتاريخية، موضحة ان الميثاق الوطني أرسى حياة ديمقراطية جديدة ستشارك فيها المرأة باقتدار. اما ما يثار من جدل سياسي حول نظام المجلسين فاعتبرته «دليلا صحيا على اجواء الحرية الجديدة في البحرين» مع تفاؤلها بقيام تعاون وثيق بين المجلسين برجاله ونسائه.
صحيفة الشرق الاوسط - المنامة - غالب درويش
بتاريخ: 7 / 3 / 2002