العدد 5071 - الإثنين 25 يوليو 2016م الموافق 20 شوال 1437هـ

معهد إدوارد سعيد للموسيقى... فرق وجوقات تعزز الثقافة الوطنية الفلسطينية بالأنغام

خمس فروع تسعى لتربية أجيال مبدعة للحفاظ على الهوية


فلسطين، بلد عربي يسعى لمقاومة طمس هويته العربية والثقافية على مر السنوات بالإبداع... وبما أنه أرض لمرور الثقافات المختلفة عبر الوفود التضامنية وعبر تواجد شريحة واسعة من أبنائها في المهجر ذاهبين وعائدين لوطنهم الأم، لذا تجده أرض تحمل الكثير من التنوع الثقافي والانفتاح على الآخر، مما يجعله منبتا خصبا للثورات الطبيعية للثقافة وتطورها، وربما تكون الموسيقى هي إحدى وسائل الثقافة للحفاظ على الهوية.

ومعهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى هو واحد من المؤسسات الفلسطينية التي تسعى لتعليم الموسيقى وتعميمها على الفلسطينيين في جميع أماكن وجودهم، ضمن إطار يعزز رؤية ثقافية وطنية فلسطينية.

التأسيس

في العام 1990 اجتمعت مجموعة من الموسيقيين الفلسطينيين لتقييم وضع الموسيقى والتعليم الموسيقي في الدولة، وتبين لهم أن هناك العديد من المواهب والأنشطة في عدة فروع موسيقية، من بينها الموسيقى الفلكلورية والموسيقى العربية والموسيقى الغربية الكلاسيكية، ولكن لا يوجد أي جسم مركزي يربط بين هذه المواهب، أو يضع استراتيجيات للمستقبل، وهذا ما جعلهم يقررون إنشاء مدرسة للموسيقى.

وخلال السنوات الثلاث اللاحقة تطورت الفكرة، وفي العام 1993 أطلق المعهد الوطني للموسيقى، وأنشأ المعهد فرعه الأول في رام الله تحت رعاية مجلس أمناء جامعة بيرزيت، وضم 40 طالبا وطالبة وثلاثة معلمين بدوام جزئي وسكرتيرة ومديرا متطوعا.

لاحقا تم بالتدريج افتتاح فروع جديدة: فرع القدس في العام 1996، فرع بيت لحم في العام 1997، فرع نابلس في العام 2010، وفي العام 2012 تم ضم مدرسة غزة للموسيقى لتصبح الفرع الخامس للمعهد. والآن يلتحق بالمعهد أكثر من 1000 طالب وطالبة في الفروع المختلفة، إضافة إلى 300 آخرين في جوقات الأطفال.

إدوارد سعيد ومارسيل خليفة

في سبتمبر/ أيلول 2004، واعترافا بالإسهامات الثقافية والفكرية التي قدمها للإنسانية المفكر الراحل الفلسطيني الأميركي الجنسية إدوارد سعيد- العضو الفخري لمجلس الإدارة- فقد تغير اسم المعهد ليصبح رسميا معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى.

وفي ربيع العام 1998 أطلق المعهد سلسلة حفلاته الأولى، وخرّج الدفعة الأولى من طلابه في العام 1999. وفي العام 2000 انطلقت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ومع ذلك، ورغم صعوبات تلك الفترة، فقد أنجزت العديد من البرامج المهمة.

الأسطوانة الأولى صدرت في العام 2000، وفي العام 2001 أقيمت مسابقة مارسيل خليفة للموسيقى لأول مرة، في البداية كمشروع داخلي، لتصبح لاحقا مسابقة فلسطين الوطنية للموسيقى، ثم شهد العام 2003 انطلاقة المخيمات الصيفية السنوية للموسيقى.

فرق الأوركسترا

لقد كان تأسيس فرق للطلاب والمحترفين جزءاً لا يتجزأ من عمل المعهد منذ البداية. بعد إنجاز تشكيل فرق مثل فرقة الموسيقى الشرقية (تخت الشرقية) وأوركسترا معهد إدوارد سعيد، بدأ المعهد في عام 2004 بتشكيل فرق الأوركسترا والفرق الموسيقية الخاصة به، وذلك بعد أحد عشر عاما من الاستثمار في رعاية الطاقات الموسيقية في فلسطين، ففي ذلك العام تشكلت أوركسترا فلسطين للشباب، وتبعتها فرقة أوتار فلسطينية  في العام 2009، ومقامات القدس والأوركسترا الوطنية الفلسطينية في 2010، وفرقة بنات القدس في 2013.

يقوم معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى على رؤية طموحة تهدف إلى إيصال ثقافة موسيقية مبدعة وحيوية إلى كل بيت فلسطيني. ولتحقيق هذا الهدف يعمل المعهد في ثلاثة اتجاهات رئيسية.

الأول والأكثر أهمية هو التعليم. هناك أكثر من ألف طالب وطالبة يدرسون الموسيقى حالياً في البرامج الأكاديمية في الفروع الخمسة للمعهد، حيث يتم تدريس الموسيقى العربية والغربية، ويتلقى الطلاب دروسا فردية على الآلات الموسيقية. كما يتلقون حصص نظرية، وأخرى في العزف الجماعي بالإضافة إلى الجوقات، والإيقاع الجماعي وتاريخ الموسيقى. يخضع طلاب المعهد لبرنامج مفصل، إذ يكملون المساقات والامتحانات من خلال برنامج من ثماني مستويات. ويطمح المعهد لافتتاح فروع في كل المحافظات الفلسطينية.

جزء آخر من عمل المعهد التعليمي هو برنامج التعليم الخارجي، ومن خلاله يذهب المعهد إلى قلب المجتمعات المحلية التي لا تملك حالياً أية إمكانيات موسيقية، ويعقد شراكات مع مؤسسات في تلك المجتمعات لتوفير دروس في الآلات الموسيقية وأنشطة في الموقع ذاته، وبعض هذه الأنشطة الخارجية سينمو ليتحول لاحقا إلى فروع رسمية للمعهد.

يستفيد من هذا البرنامج حالياً 150 طفلاً وطفلة في الخليل وأريحا، و120 آخرين في مخيمات شعفاط والدهيشة وبلاطة وعقبة جبر. وبالإضافة إلى أنشطة التعليم على الآلات الموسيقية، يصل البرنامج إلى 100 طفل وطفلة في القدس من خلال برنامج الجوقة، و300 آخرين في غزة من خلال مشروع جوقات السنونو.

تشكل الأنشطة الموسيقية الإضافية جزءاً أساسياً من المهمة التعليمية للمعهد. لدى المعهد العديد من الفرق الداخلية، بما فيها فرق التخت الشرقي، ومجموعات موسيقى الصالة الكلاسيكية، وفرق أوركسترا وفرق جاز، إضافة إلى فرق أوركسترا رئيسية يأتي أعضاؤها من التجمعات الفلسطينية حول العالم، مثل أوركسترا فلسطين للشباب والأوركسترا الوطنية الفلسطينية. وتقام عدة مخيمات موسيقية سنوياً في مركز النشاطات في بيرزيت، وتدور حول تدريب الفرق في بيئة مرحة.

المعهد مسئول أيضا عن إقامة مسابقة فلسطين الوطنية للموسيقى كل عامين، والتي تهدف إلى تحفيز ومكافأة المواهب الفلسطينية الشابة. وأخيرا، يقوم المعهد، كجزء من مهمته التعليمية، بنشر مواد تعليمية لطلاب الموسيقى، من بينها حتى الآن مناهج نظرية في الموسيقى، مجموعات أغانٍ، ومجموعات قطع موسيقية على الآلات العربية.

العنصر الهام الثاني لتحقيق رؤية المعهد هو توسيع دائرة الجمهور المهتم بالموسيقى، إذ يقيم خمسة مهرجانات موسيقية رئيسية: ليالي الطرب في قدس العرب، وهو مهرجان للموسيقى العربية والشرقية مركزه القدس، مهرجان الياسمين في رام الله، والذي يركز على الموسيقى الكلاسيكية والعالمية، مهرجان ليالي الميلاد في بيت لحم، مهرجان البحر والحرية في غزة، ومهرجان العود في نابلس.

وينظم المعهد عروض طلابية أسبوعية في الفروع. تقام فعاليات خاصة لجذب أكبر عدد من الجمهور.

الرؤية والرسالة

يحمل المعهد رؤية واحد وهي: كل بيت فلسطيني يتمتع بثقافة موسيقية واسعة ومبدعة وحيوية، تساهم في تعزيز الهوية الفلسطينية وفي تربية الأجيال. أما رسالته فهي تعليم الموسيقى وتعميمها للفلسطينيين في جميع أماكن تواجدهم، ضمن إطار يعزز رؤيا ثقافية وطنية فلسطينية

من هو إدوارد سعيد؟

إدوارد وديع سعيد (1 نوفمبر/ تشرين الثاني 1935 القدس - 25 سبتمبر/ أيلول 2003) مُنظر أدبي فلسطيني وحامل للجنسية الأميركية. كان أستاذا جامعيا للغة الإنكليزية والأدب المقارن في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية ومن الشخصيات المؤسسة لدراسات ما بعد الكولونيالية. كما كان مدافعا عن حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني، وقد وصفه روبرت فيسك بأنه أكثر صوت فعال في الدفاع عن القضية الفلسطينية.

كان إدوارد سعيد من الشخصيات المؤثرة في النقد الحضاري والأدب، وقد نال شهرة واسعة خصوصاً في كتابه "الاستشراق" المنشور سنة 1978. قدم كتابه أفكاره المؤثرةعن دراسات الاستشراق الغربية المتخصصة في دراسة ثقافة الشرقيين. وقد ربط إدوارد سعيد دراسات الاستشراق بالمجتمعات الإمبريالية واعتبرها منتجا لتلك المجتمعات.

كما عرف إدوارد سعيد كمفكر عام، فكان يناقش أمور ثقافية وسياسية وفنية وأدبية بشكل دائم من خلال المحاضرات والصحف والمجلات والكتب. ومن خلال تجربته الشخصية كفلسطيني المنشأ ترعرع في فلسطين في وقت إنشاء دولة إسرائيل، دافع إدوارد عن إنشاء دولة فلسطين إضافة إلى حق العودة الفلسطيني. كما طالب بزيادة الضغط على إسرائيل وخصوصاً من قبل الولايات المتحدة. كما انتقد العديد من الأنظمة العربية والإسلامية. حازت مذكراته "خارج المكان" المؤلفة سنة 1999 على العديد من الجوائز مثل جائزة نيويورك لفئة غير الروايات، كما حاز سنة 2000 على جائزة كتب أنيسفيلد-ولف لفئة غير الروايات وغيرها.

كان إدوارد سعيد عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني لعدة عقود. وبالمشاركة مع صديقه دانييل بارينبويم قاما بتأسيس أوركيسترا الديوان الغربي الشرقي سنة 1999 وهي مكونة من أطفال فلسطينيين وإسرائيليين ومن أطفال عرب من دول الجوار.

كان إدوارد عازف بيانو بارع. ونشر بالمشاركة مع صديقه بارينبويم في سنة 2002 كتاباً عن محادثاتهم الموسيقية المبكرة بعنوان: المتشابهات والمتناقضات: استكشافات في الموسيقى والمجتمع. ظل إدوارد نشطا حتى آخر حياته وتوفي بعد صراع طويل مع اللوكيميا في العام 2003.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً