فيما كان قادة السعودية وسوريا ولبنان في ختام قمتهم في بيروت، يشددون على «أهمية استقرار لبنان وضرورة التزام اللبنانيين بعدم اللجوء إلى العنف لحل خلافاتهم وتغليب المصلحة اللبنانية فوق أية مصلحة فئوية.... وعلى أهمية الاستمرار بدعم اتفاق الدوحة واستكمال تنفيذ اتفاق الطائف ومواصلة عمل هيئة الحوار الوطني، (داعين اللبنانيين) إلى الالتزام بعدم اللجوء إلى العنف وتغليب مصلحة لبنان العليا على أي مصلحة فئوية... والاحتكام إلى الشرعية والمؤسسات الدستورية وإلى حكومة الوحدة الوطنية لحل الخلافات»، كانت الطائرات الإسرائيلية تواصل شن غاراتها الجوية على عدد من الأهداف في قطاع غزة، مستهدفة كما يقول مراسل بي بي سي (شهدي الكاشف) «المنطقة الحدودية بين غزة ومصر، بغرض ضرب أنفاق التهريب».
تسيطر على تفكير المواطن العربي ممن يطالع أو يسمع أخبار هذه القمم العربية التي تتناقلها وسائل الإعلام العربية والعالمية، أربع صور متتابعة، ومتراكبة في بعض الأحيان: الأولى، صورة مقاطع من أبيات قصيدة الشاعر مظفر النواب الموسومة «قمم ... قمم»، والتي ألقاها بمناسبة انعقاد إحدى القمم العربية لمناقشة الموقف العربي من حصار غزة، والتي رسمت كلماتها صورة كاريكاترية ساخرة ومؤلمة عن واقع القمم العربية، يصعب نشر أي من مقاطعها خشية من تجاوز قوانين النشر. لكن بوسع من فاتته قراءتها العودة إلى الإنترنت.
أما الثانية فهي، أننا اليوم وبعد مضي أكثر من نصف قرن على انعقاد أول قمة عربية، التي انطلقت الأولى منها ليس، كما يعتقد البعض منا بتلك التي احتضنتها القاهرة في العام 1964 والتي دعا إليها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وشاركت فيها حينها 13 دولة عربية، وإنما، وكما تورد صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، عند تلك التي وجه الدعوة لها الملك فاروق الأول في أكتوبر/ تشرين الأول 1945 على متن يخته في البحر الأحمر، وشملت الدعوة زعماء الدول المؤسسة للجامعة العربية السبعة (مصر وشرق الأردن والسعودية واليمن والعراق ولبنان وسورية)، هي الأولى عند التأريخ لتلك القمم، من حقنا أن نتساءل ما الذي أنجزته هذه القمم على المستوى العربي الشامل؟
الثالثة، أننا لم نعد نسمع فقط، عن قمم مصغرة تضم أكثر من رئيس دولة عربية، بل بات المواطن العربي يتابع أخبارا لقمم متخصصة، مثل تلك القمة «الاقتصادية، الاجتماعية، التنموية، التي عقدت في الكويت في مطلع العام 2010، من أجل «تفعيل التجارة البينية العربية، ومعالجة المشكلات التي تعترض تصدير المنتجات، وخصوصاً المنتجات الزراعية، واجتذاب رؤوس الأموال العربية للاستثمار في القطاعات الصناعية والسياحية وغيرها.
كما يشكل انعقاد القمة الاقتصادية العربية، فرصة مهمة لتعزيز وتطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية والمالية بين الدول العربية، لأنها الفرصة الوحيدة التي يمكن أن نستفيد منها في فترة الفورة النفطية العربية» والتي تزامنت، كما هو الحال مع قمة بيروت الثلاثية الأخيرة، مع « العدوان الإسرائيلي والحصار الإجرامي على غزة العربية و لذلك كان مناسباً وضرورياً أن يوصف المؤتمر أولاً بأنه قمة التضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة»، والقمة المتخصصة الخماسية التي عقدت في مدينة سرت الليبية من أجل الإصلاح الإداري لهياكل الجامعة، «كي تتناسب مع المتغيرات الدولية والإقليمية»، كما صرح الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، وقمة الثقافة المتوقع عقدها في العام 2011، والتي تمت الموافقة عليها في «القمة العربية التي عقدت في مدينة سرت الليبية يومي 27 و 28 مارس/ آذار 2010 والتي توصلت بشكل مبدئي إلى ضرورة عقد قمة عربية للثقافة، ودعت الجامعة إلى الإعداد الجيد لها»، والتي بدأت الاستعدادات لها في تونس بالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الالكسو)»، من أجل مواجهة «الأخطار المحدقة بالثقافة العربية في زمن العولمة».
الرابعة، وتلح على ذهنية المواطن العربي في هيئة سؤال يبحث عن إجابة، ما الذي حققته هذا القمم على صعيد تحسين أوضاع المواطن العربي المعيشية، في كل قطر عربي على حدة، على مستوى الخدمات التعليمية والصحية وما شابهها؟
من أجل استكمال لوحة قائمة القمم العربية، ربما كان من المفيد العودة إلى ما توصل له تركي الغامدي، الذي لا نستطيع الجزم بعلميته، بشأن القمم العربية حيث يشير إلى قمة عربية عقدت قبل الإسلام استجابة لرغبة «عربية عارمة لعقد قمة عربية يتوحد على إثرها الرأي العربي تجاه الروم والفرس وما وراء البحار» ، وجدها في «كتابة لوحات ترحيبية علقت على جذوع النخيل في الواحات التي تقع على الطرق التي سيسلكها الزعماء العرب لحضور القمة بعد عرضها على قس بن ساعده الأيادي أحد أشهر الفصحاء في ذلك الزمان لأن النابغة الذبياني آثر إعطاء قس فرصته في صياغة بيان القمة».
لا نريد أن نكون من أفراد فريق الساخرين فننظم إلى فريق مظفر النواب، ولا المغرقين في القدم فنأخذ برواية الغامدي، لكننا لا نستطيع أيضاً تجاوز المتشائمين الذين فقدوا ثقتهم في توصل القمم العربية إلى رؤية عربية مشتركة، كما يعترف بذلك مسئول عربي رفيع المستوى هو مدير مكتب الأمين العام للجامعة العربية السفير هشام يوسف حين يقر بأن «الواقع العربي يعطي إحساسا بالإحباط، لكن ليس معنى ذلك أن نستسلم. المطلوب أن نستمر في العمل وأن نضاعف الجهود من أجل تطوير العلاقات العربية، ووضعها في المسار الذي يحقق مصالح المواطن العربي».
فهل تنجح القمم العربية في تغيير صورتها النمطية في ذهنية المواطن العربي أم يضطر هذا الآخر، مأسوراً بفشلها في ترديد ما يقوله النواب قمم... قمم؟
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2886 - السبت 31 يوليو 2010م الموافق 18 شعبان 1431هـ
؟؟
كثيرا ما نجد أن هذه القمم تعالج الجروح .. لكنها لا تمنع مسببات هذه الجروح ..