التفجيرات التي ضربت بغداد ومناطق مختلفة في العراق وحصدت عشرات الضحايا البريئة والآمنة في الأحياء السكنية والمراكز الدينية تأتي حلقة في سلسلة لا تنقطع من جرائم القتل التي تشهدها بلاد الرافدين منذ الاحتلال الأميركي. فالتفجيرات التي وقعت الجمعة الماضي لا يمكن عزلها في سياقها العام عن الاجتياح وما رافقه من تقويض للدولة وسياسات نهب وسرقة وسطو على حياة الناس ومرافقهم.
ما حصل في بغداد الجمعة الماضي وقع ما يشبهه في أيام الأحد والأربعاء والخميس والسبت والاثنين والثلثاء من كل أسبوع وشهر وسنة على مدار الفصول التي تعاقبت على العراق منذ 2003. هناك سلسلة من حلقات القتل العبثي والمجاني التي تجرف الذاكرة وما تختزنه من آلام أصابت كل العائلات والأطياف والتكوينات والطوائف والمناطق في كل المحافظات والمدن.
لا يمكن وضع تفجيرات الجمعة الماضي تحت عنوان مستقل يعزل ترابط الجرائم ويفصلها عن بعضها وكأنها مجرد ردة فعل على حادث مقتل زعيم تنظيم «القاعدة» ومساعده. فالفعل الأول ربما يكون شكل ذريعة لردة الفعل إلا أن الكارثة تتجاوز حدود هذه القراءة التي تبسط الجرائم وتقلل من مخاطرها وتداعياتها وما قد تشكله من امتداد يزعزع الاستقرار الأهلي.
ما يحصل في العراق منذ اجتياحه يتطلب قراءة لا تقلل من أهمية ترابط الجرائم وتوقيتها التسلسلي ووظائفها وما أدت إليه في النهاية من محصلة عامة. المحصلة تؤشر إلى انقسامات مذهبية تأسست بداية على مبدأ الجريمة وقتل الأبرياء وتخويف الناس وإرهابهم وإجبارهم للنزوح ومغادرة مناطقهم إلى مواطن متجانسة طائفياً أو عرقياً أو أقوامياً. وبهذا المعنى الميداني تبدو الجرائم المتتابعة حلقات متواصلة في سلسلة دموية منظمة تستهدف تحطيم وحدة العراق وإلغاء هويته ودوره وموقعه ومنعه من العودة إلى لعب تلك الوظيفة الإقليمية التي كان يتمتع بها قبل العام 2003.
هذه الغاية التي تشكلت في ضوء تفاعلاتها استراتيجية الاحتلال منذ اليوم الذي دخل فيه الجيش الأميركي بغداد وما شهده من أعمال نهب للمتاحف والمكتبات والجامعات وحرق للمؤسسات والوثائق ومطاردة للعلماء والأساتذة والأطباء وكل العاملين في حقول الهندسة والبناء، لا يمكن عزلها عن تلك الوقائع اليومية التي عصفت بالعراق وأدت إلى تقويضه وتحطيمه وشرذمته إلى دويلات طوائف ومذاهب.
هذه الغاية التي خطط لها الاحتلال لا تكترث كثيراً للأبرياء والمصلين والآمنين والمدنيين، ولا تهتم كثيراً بالجهة التي تقترفها والقوى المتضررة منها مادامت تؤدي الجرائم وظيفتها المحددة وهي منع العراق من العودة إلى مكانه ليلعب دوره الإقليمي في إطار منظومته العربية ودول الجوار. فالغاية الأميركية كانت ولاتزال ليس نشر «الديمقراطية» وفضائل «الليبرالية» وتداول السلطة سلمياً وإنما هي تقويض الدولة وتفكيك البلاد وفرز الطوائف والمذاهب وتوزيعها قهراً على كانتونات (وحدات ذاتية) تتزاحم على احتلال المواقع والمناصب والمغانم.
ما يحصل في بلاد الرافدين من جرائم قتل تتسم بالكراهية والعبثية وعدم الاكتراث للضحية (رجال، نساء، أطفال، شباب، شيوخ) يصعب تفسيرها أو تحليلها أو ضبط الجهة التي تقف وراء تشجيعها وتمويلها وتسهيلها، لأنها ببساطة عدمية في منطقها السياسي وهي في مجموعها تؤكد أن الاحتلال هو الطرف المباشر المسئول معنوياً وأخلاقياً ودولياً عن كل الكوارث التي أعقبت النكبة. وادعاء واشنطن عدم علمها بالجهات لا يرفع عنها المسئولية ولا يضعها في خانة الطفل البريء، لأن المواثيق والمعاهدات الدولية واضحة في فقراتها فهي تشير دائماً إلى المحتل بصفته القوة التي فتحت الباب لمرور المجرم والجرائم.
الاحتلال الأميركي هو المايسترو (قائد الفرقة الموسيقية) الذي يتحكم بخيوط اللعبة (النوطات) ويوزع الأدوار من دون اكتراث للفاعل أو المفعول به، لأن وظيفة تلك التفجيرات العشوائية والمجانية تحقق الغاية الأساسية التي جاء من أجلها إلى العراق. فالهدف هو تفكيك الدولة وتوزيعها على فدراليات وهذا لا يتحقق من دون فرز طائفي وإعادة فرز مذهبي وثم توزيع كل طائفة ومذهب إلى مراكز قوى تتنافس على الفرز السياسي وإعادة الفرز حتى تستقر الانقسامات على وحدات جغرافية مناطقية (محافظات) غير قابلة للحياة ولا تستطيع الاعتماد على قدراتها الذاتية وتحتاج دائماً إلى مساعدات إنسانية وإغاثة اجتماعية.
إذا كان هذا هو الهدف الأصلي للاحتلال الأميركي فمعنى ذلك أن جيوشه لن تغادر العراق في 2012 إلا بعد أن تكون واشنطن تأكدت أن الغاية من استراتيجيتها الكبرى أصبحت أمراً واقعاً لا يمكن تجاوزه وإعادة البلاد إلى ما كانت عليه. فالهدف ليس «ديمقراطية» وإنما تأمين مصالح دولة كبرى دفعت الكثير من الأموال لضمان تحكمها في بلد يعوم على بحيرات نفط تغذي حاجات الأسواق والشركات (تنقيب، نقل، تكرير).
ما حصل يوم الجمعة في بغداد ومناطق عراقية لا يمكن عزله عن مظلة الاحتلال وتشعباتها وامتداداتها الأخطبوطية وما تمثله من مواقف سياسية غامضة تتقصد إضعاف هذا الطرف وتقوية ذاك ثم تقوية الضعيف وإضعاف القوي ثم خلط الأوراق وبعدها فرزها وإعادة فرز الصناديق وثم توزيعها في لعبة موت عبثية لا منطق لها حتى تصبح كل الأطياف في حال استنفار وتوتر وخوف... وأخيراً الاستعداد للانتحار الذاتي والجماعي.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2788 - السبت 24 أبريل 2010م الموافق 09 جمادى الأولى 1431هـ
العبثية
الإحتلال هذا هدفه وهذا معلوم, ولكن من أين أتت هذه الحالة التي تجعل تفجير الناس بالأحزمة الناسفة جهادا؟ السوس جاء من الداخل هناك من يبرر لهؤلاء دينيا , هل الأمريكي مستعد أن يفجر نفسه هو الآخر ؟ لماذا تتغافل ان البعض لا يعجبه الوضع الحالي لأنه يرى أن العراق كان له وحده وتم سلبه منه لآخر لا يستحق أكثر من كونه وقودا لحروبه.
عبد علي عباس البصري
احداث العراق هي متوقعه الحدوث وأن كان مو بهاذا الحجم ! لا التغير الذي حدث في العراق هو تغير ليس على المستوى الحكومي سقطت حكومه وقامت حكومه ؟ بهذه البساطه وأنما هو سقوط نظام عربي وقيام نظام اسلامي يحمل في دستوره القوي عندي ضعيف حتى أأخذ الحق منه والضعيف عندي قوي حتى أأخذ الحق له ، ولا سيد ولا مسود ، ولا رأس ولا ذنب ، بلاد ترفض الذئاب والكلاب والخنازير .من أجل ذلك ثارت الكلاب والخنازير لتقتل وتنهي الحياه وهيهات ان للبيت رب يحميه ؟؟ وسيعود الموت الى وادي الكلاب والذئاب انشاء الله
القاتل الثلاثي
السلام عليكم
في الحقيقة (في حدود عقلي) انا اعرف ان الارهاب التكفيري والحقد البعثي والاحتلال الامريكي هم الثالوث الذي يقتل ولا يقبل ان يسود الامن , لان هذه البيئة هي التي يمكنه ان يعيش فيها والا ما يضير الانسان السوي ان يرى اخيه يعيش في امن واطمئنان.
ان بلد مثل العراق فيه كل عوامل القتل من فقر وجهل وسلاح لابد ان تزداد وتيرة القتل من وقت لاخر. فهي بورصة القتل الذي من يريد ان ترتفع له اسهم عليه ان يدخل هذه الساحة.
سيد حسين