يوم كنا صغارا، كثيرا ما تمنى البعض منا ألا ينقضي شهر رمضان المبارك... بل وكان البعض منا يمني نفسه بأن يطل علينا هذا الشهر الفضيل بعظمته أكثر من مرة في العام.
ففي هذا الشهر، يومذاك... في مطلع السبعينيات، كنا نعيش فصلا من فصول الطفولة ليس له مثيل، ولم تكن غالبيتنا تدرك أن (نفوسنا) لن تكون كما كانت عليه من البراءة حين كنا صغارا... الشهر المبارك بقي هو هو، لكننا كبرنا وفقدنا الكثير مما كنا ننعم به في طفولتنا، ولعل أكبر ميزة فقدناها هي صفاء النفوس.
هو شهر واحد، لكنه شهر الله الأعظم، وهو عند الله من أفضل الشهور. وفي ظني، أن الكثيرين منا، نحن أبناء الأمة الإسلامية، مازلنا نحفظ في قلوبنا ووجداننا قداسة وعظمة وبركة شهر رمضان، ومع ذلك، نعبث كثيرا غير آبهين بفضائله ومناقبه، لكن أخطر ظاهرة «تسمم نفوس المسلمين» في شهر الصوم، من منظوري الخاص، هي الممارسات التي نغلفها بغلاف الدين وهي لا تمت بصلة إليه... حتى أصبحت تلك الممارسات السيئة وكأنها من مظاهر شهر رمضان المبارك!
ليس الحديث هنا يدور حول مظاهر الكسل وإهمال مصالح الناس في الوظائف بحجة الصيام، ولا أتحدث عن ظاهرة المزاج المتعكر والحاد الذي يتلبس البعض منا حتى في الشوارع والطرقات حين يتطاير شرر الغضب بسبب خلل بسيط على أولوية السير، أو بسبب تأخر سائق في التحرك بعد إضاءة الإشارة الخضراء، ولا عن الغضب العارم الذي يعتري البعض بسبب انقطاعه بضع ساعات عن السيجارة... بل أتحدث عن الإثارات المقلقة التي تطلقها بعض القنوات الفضائية حينا، وعن نمط من الخطب الدينية التي تفيض بالعداوات والبغضاء حينا آخر... لتنتقل هي الأخرى إلى أماكن العمل والمجالس.
هل أصبح البعض ينتظر شهر رمضان المبارك ليجدد ولعه بإثارة النعرات الطائفية؟ وهل أصبحت بعض القنوات الفضائية مستعدة ومتأهبة لإشعال فتيل الفتنة بين السنة والشيعة من خلال برامج وأعمال درامية وحوارات، وكأن الشهر الفضيل بالنسبة إليها هو أفضل شهور السنة لتنفيذ محاولات تدمير القيم والمعاني السامية لشهر رمضان المبارك؟ وإذا كانت تلك هي الحقيقة، كيف ينصاع الكثيرون منا لتأثيرات تلك السموم وهو يدرك أنها قاتلة؟ ويدرك في الوقت ذاته، أن شهر الصوم هو شهر لتجديد بناء شخصية المسلم، بناء يرضي الله سبحانه وتعالى لأن أبواب السماء مفتوحة بالرحمة والمغفرة، فلماذا وقعنا في مصائد الفتنة على رغم أن كل واحد منا يدرك أن من أعظم تعاليم ديننا الحنيف في شهر رمضان المبارك، التآخي والألفة وإشاعة المحبة والتسامح بين أبناء المجتمع الإسلامي.
قبل أعوام، فتحت إحدى القنوات الفضائية «حوارها الصريح بعد التراويح» طيلة الشهر الفضيل لنكتشف زيفها وتكشف هي الأخرى زيفنا حين وقع الصدام بين الناس، في رحاب شهر الله الأعظم، بسبب أطروحات متشددة مغلفة هي الأخرى بشعارات التآخي والمصارحة والتوافق بين المسلمين سنة وشيعة، لكنها في حقيقتها فكرة مدمرة استمرت بعد ذلك البرنامج لسنوات، وربما لاتزال قائمة... ثم جاءتنا بوادر أزمة بسبب مسلسل «للخطايا ثمن»، وثارت الزوابع حتى قررت القناة الفضائية المحترمة إيقاف بثه... وهذا العام، وقبل عدة أشهر، ثارت موجة من الخلاف، من المدينة المنورة إلى المغرب، بسبب الإعلان عن بث مسلسل «الأسباط» الذي يحكي سيرة الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام، وهو من إنتاج إحدى الشركات الخليجية... والله العالم، ما الذي ينتظرنا من أعمال فضائية خلال هذا الشهر الفضيل، وكأننا أمة تسيِّرها القنوات الفضائية وفق هواها!...
على أي حال، مبارك عليكم جميعا شهر رمضان المبارك، وجعلنا الله وإياكم من الفائزين بفيض بركات الرحمة والمغفرة، ونسأل الله أن يجيرنا من أعمال الشياطين، التي يصفدها الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر، لتظهر شياطين أنسية، منا وفينا... تسعى لتحطيم القيم، وتستبدلها بالنقم.
إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"العدد 2540 - الأربعاء 19 أغسطس 2009م الموافق 27 شعبان 1430هـ